الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :
فقد أثار د سعد الدين هلالي الاستاذ بجامعة الازهر الاسبوع الماضي ،،،
شبهة حول حرمة الخمر المتخذ من غير العنب ؟؟ّ!
وأن المحرم من الخمور قليله وكثيره إنما هو خمر العنب ؟؟!!
وأما غيره فلا يحرم إلا ما أسكر منها
وأما القليل منها الذي لا يسكر فهو حلال ؟؟!!
ونسب ذلك للامام أبي حنيفة ؟!
والجواب عن هذه الشبهة :
نقول أولا : أن تحريم الخمر أمرٌ مجمع عليه بين المسلمين قاطبة والحمد لله ، للآيات الصريحة والآحاديث المتواترة الكثيرة .
أما الآيات القرآنية :
فقال تعالى ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) سورة البقرة : 219.
وقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمرُ والميسرُ والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يُوقع بينكم العداوةَ والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) سورة المائدة : 90-91.
وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا َتقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ) سورة النساء : 43.
وأما من خص التحريم بما كان من عصير العنب خاصة ؟! و أما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة ، مثل ( السَّكر ) وهو نقيع التمر إذا غلي بغير طبخ ، و ( الجعة ) وهو نبيذ الشعير ، و ( السكركة ) وهو خمر الحبشة من الذرة ، فذلك كله حلال عندهم ؟؟ إلا المقدار الذي يسكر منه ، وأما القليل منه فحلال ؟؟!
بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم ؟؟!
فهذا التفريق مصادم للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر ، وهو مخالف للقياس الصحيح ، والنظر والعقل الرجيح .
فما سبق من النصوص العامة تشمل كل ما يسمى خمراً ، من أي شيء تتخذ .
ثانيا : قد ورد ما يرد هذه الشبهة الفاسدة من الأحاديث الصحيحة :
1- حديث عمر رضي الله عنه قال : ” نزل تحريم الخمر يوم نزل ، وهي من خمسة أشياء : من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير . والخمر ما خامر العقل ” .
2- قوله صلى الله عليه وسلم : ” كلُ مسكرٍ خمر ، وكل خمر حرام ” . متفق عليه .
3- قوله صلى الله عليه وسلم : ” ما أسكر كثيره فقليله حرام ” . رواه مسلم وأحمد .
4- قوله صلى الله عليه وسلم : ” كلُ مسكرٍ حرامٌ ، وما أسكر منه الفَرْقُ ، فملء الكفِّ منه حرام ” رواه أبوداود والترمذي .
وغيرها من الأحاديث الكثيرة .
ثالثا : مخالفته للقياس الصحيح :
فقد قال العلماء : أي فرقٍ بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره ، و بين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ؟ !
و هل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر ، فكيف يحلل هذا و يحرم ذاك و العلة
واحدة ؟ !
فهذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق أنها تنسب إلى أحد من أهل العلم ، لولا صحة ذلك عنهم ، وأعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين !!
قال ابن القيم في ” تهذيب السنن ” ( 5 / 263 ) بعد أن ساق بعض النصوص السابقة :
” فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في
اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن ، وخوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس ، مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء ، تناولاً واحدا ، فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم ، والقياس في الحكم .
ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها ، لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه ، وإن لم يسكر ، وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه ، وقليله يدعو إلى كثيره .
وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة ، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل ، فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم ، فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها ، ولا اشتباه في معناها ، بل هي صحيحة . وبالله التوفيق ” .
ونقول : إن الخمور اليوم يعلم احتوائها على الكحول الذي هو سبب الإسكار ، وبقدر وجوده ونسبته يكون الإسكار وقوته ، فالقول أن ما أخذ من العنب هو الخمر المحرم فقط ، وغيره ليس كذلك ، قولٌ باطل شرعاً وحسا وعقلا وواقعا .
وأخيرا نقول :
ما هي مصلحة المسلمين اليوم من إثارة هذه الأقوال الشاذة بينهم وتشكيكهم في الأمور الواضحة التحريم ،
ومحاولة تهوين الكبائر ، والجرأة على الفواحش ، ولا سيما والخمر هي أم الكبائر وأم الخبائث ، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام .
نسأل الله تعالى أن يكفينا شر مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
ونسأله الهدى والسداد للحق لجميع المسلمين ،،،
والله تعالى أعلم