حكم سب النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم القيامة .
ثم وبعد :
فعندما يسبُ الكفار من أهل الدنمارك أو غيرهم من الكفار والملحدين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا أمر قد يكون معتادا ومتكررا منهم ، لأنهم كفار ومعادون ويكرهون الإسلام والمسلمين .
ولكن عندما يكتب مسلمون كتابات يسبون فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويقدحون في شخصه الكريم ، فهذا أمر يدعو للدهشة والعجب والاستغراب ، ولا يجوز السكوت عليه أبدا.
وقد فوجئ المسلمون في هذه الأيام بكتابات تنشر في شبكات التواصل الاجتماعي ” التويتر ” , ” والفيس بوك ” وغيرها من المواقع ، فيها إساءات واضحة للنبي صلى الله عليه وسلم حاشاه الله ، وأحيانا فيها شتم مستشنع ، بالإضافة لتنقص أمهات المؤمنين زوجات نبي الله رضي الله عنهن ، وهي إساءة ترجع سهامها لنبينا عليه الصلاة والسلام ، وكذا التعرض للخلفاء الراشدين ، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ؟؟!
وقد أوجب الله تعالى على الأمة الإسلامية محبة نبيها صلى الله عليه وسلم ، وجعل ذلك علامة محبته سبحانه وتعالى ، فقال ( قلْ إنْ كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحببكم اللهُ ويغفرْ لكم ذنوبكم ) آل عمران : 31 .
وفرض على المسلمين تعظيمه واحترامه وتوقيره ، ونصرته وتعزيره ، وحفظ مقامه الشريف ، كما قال سبحانه وتعالى ( لتُؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقروه ) الفتح : 9 .
وذلك لما لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المنة العظيمة في رقابنا ، والفضل الكبير علينا ، بدعوتنا إلى الإيمان والتوحيد والعلم بالله تعالى ، والهداية إلى الصراط المستقيم ، وبتعليمنا كل ما ينفعنا في الدنيا والآخرة .
وقد شرع الله عز وجل من العقوبة الرادعة لمن آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحفظ مقام نبينا ، ويردع مَن سوَّلت له نفسه التجرؤ على هذا المقام الشريف ، بالسب أو الانتقاص أو الاستهزاء .
وقبل ذلك نعرض الحكم الشرعي لمن تعرض لسب النبي صلى الله عليه وسلم ، من كتاب الله العظيم :
والأدلة على ذلك- أي كفر من سب النبي صلى الله عليه وسلم – كثيرة ، ومنها :
1- قوله تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ * يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )التوبة :61 – 66 .
فهذه الآيات الكريمة نصٌ في المسألة ، وهي في المنافقين الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالقول والعيب له ، ويسيؤون إليه ، وإذا بلغه شيء عنهم جاؤوا يعتذرون له قبحهم الله ؟!
ولهذا كانت هذه السورة سورة التوبة تسمى : بالفاضحة ، لأنها فضحت أسرار المنافقين ، وهتكت أستارهم .
ثم أخبر تعالى أنهم إذا سئلوا عما قالوه من الطعن على رسول الله ، وعلى الصحابة ، وفي دين الله وآياته قالوا : ( إنما كنا نخوض ونلعب ) أي : كنا نلهو ونمزح ونقطع الوقت ، ولا قصد لنا بالطعن والعيب ؟!
وقوله ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ) أي : ليس هذا موضع للهزل والاستهزاء والسخرية
ثم قال : ( لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) أي : بهذا الذي صدر منكم قد كفرتم ، وإن حصل العفو عن بعضكم ، لا بد من عذاب البعض ، لأنهم مقيمون على كفرهم ونفاقهم .
وفيها دليل : على أن من استهزأ بشيء من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو تنقصها ، أو تنقص رسول الله أو دينه أو عابه ، فإنه كافر بالله العظيم ، لأن هذا الدين مبني على تعظيم الله ودينه وسوله .
2- وقوله تعالى : ( وما كان لكم أنْ تُؤذوا رسولَ الله ولا أن تَنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً ) الأحزاب : 53 .
وهذه قاعدة عامة ، وهي : حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أذية قولية أو فعلية ، وكل ما يخل باحترامه وتوقيره ، له من المقام الرفيع والإكرام .
3- وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً )الأحزاب :57 .
وهذه الآية مؤكدة لما سبق ، وفيه وعيد باللعنة من الله وطردهم من رحمة الله ، وله عذاب مهين جزاء فعلته الشنيعة .
وأما أقوال أهل العلم في شات الرسول عليه الصلاة والسلام ، فهذه بعضها :
1- قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ” من شتم النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ، وذلك أنه إذا شتم فقد ارتد عن الإسلام ، ولا يشتم مسلم النبي صلى الله عليه وسلم ” .
2- وقال الإمام ابن راهوية : ” قد أجمع المسلمون أن من سب الله ، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو دفع شيئًا مما أنزل الله ، أو قتل نبيًا من أنبياء الله ، أنه كافر بذلك ، وإن كان مقرًا بكل ما أنزل الله ” انتهى .
3- وقال القاضي أبو يعلى الفراء الحنبلي : ” من سب الله ، أو سبّ رسوله فإنه يكفر ، سواء استحل سبه أو لم يستحله “.
4- وقال محمد بن سحنون : ” أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل. ومن شكّ في كفره وعذابه ، كفر ” .
5- وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حدّ من يسب النبي صلى الله عليه وسلم القتل .
6- وقال الخطابي : ” لا أعلم أحدًا من المسلمين اختلف في وجوب قتله “.
7- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” إنّ سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهرًا وباطنًا ، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم ، أو كان مستحلاً له ، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده ، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل “.
وقال أيضا : ” شاتم النبي صلى الله عليه وسلم يقتل سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا ، هذا مذهب عامة أهل العلم ، قال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على أن حدّ من سبّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل . وممن قاله مالك ، والليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وهو مذهب الشافعي .
* وأما إن كان ذميًا : ففيه خلاف ، والمشهور من مذهب مالك وأهل المدينة أنه يقتل أيضًا ، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث ، وقد نص أحمد على ذلك في مواضع متعددة .
1- قال حنبل : سمعت أبا عبد الله يقول: ” كل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقصه – مسلمًا كان أو كافرًا – فعليه القتل، وأرى أن يُقتل ولا يستتاب .
2- ولما سئل الإمام أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النبي صلى الله عليه وسلم : ماذا عليه ؟ قال : إذا قامت عليه البينة يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا كان أو كافرًا .
3- وأما الشافعي فالمنصوص عنه نفسه أن عهد الذمي ينتقض بسب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه يقتل . والمنقول عنه في الأم أنه قال : إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب …”.
وذكر الشروط إلى أن قال : ” وعلى أن أحدًا منكم إن ذكر محمدًا صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين، ونقص ما أُعطي من الأمان، وحل الأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم .. “.
4- وقال الحنفية وبعض الحنابلة : إن ساب النبي يعتبر مرتداً كأي مرتد ، لأنه بدل دينه فيستتاب ، وتقبل توبته . ابن عابدين ( 4/ 233-235 )
كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية .
5- واتفق الفقهاء على أن من قذف عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فقد كذب صريح القرآن ، الذي نزل ببراءتها بآيات تتلى إلى يوم القيامة ، وهو بذلك كافر ، قال تعالى ( يعظكم الله أنْ تَعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ) النور : 17 .
فمن عاد لذلك فليس بمؤمن .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين ، والنفاق وأهله المعاندين ، وأنت على كل شيء قدير ،،،
وصدق الله عز وجل إذ يقول :
( وإذْ يمكرُ بك الذين كفروا ليُثبتوك أو يَقتلوك أو يُخرجوك ويمكرون ويمكرُ الله واللهُ خيرُ الماكرين ) الأنفال : 30 .
( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) يوسف : 21 .
والله أعلم تعالى
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم