احتفال الهالوين
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه أجمعين …
وبعد :
فتحتفل بعض الدول النصرانية هذه الأيام بما يسمى بـ ” الهالوين ” Halloween أو عيد الرعب ؟!
كما ترجمه البعض ، و هو عيدٌ وثني شركي ، أصله كان موجودا من قبل المسيح عليه السلام .
ويتنكر المحتفلون بعيد الهالوين ، بازياء الساحرات ، والاشباح ؟!
والرمز الأكثر شيوعا لعيد الهالوين ، هو القرع الجلاطي ، المسمى بالانجليزية Pumpkins.
واسم ” هالوين ” يعني : ليلة مقدسة . والهالوين عيد جميع القديسين ، الذي يقع في الواحد و الثلاثين من تشرين الأول ، 31من شهر أكتوبر ، وهو في الواقع عيد للاحتفال بالخريف .
وكان الدرويديون القدماء (وهم كهنة كانوا في بلاد الغال القديمة وبريطانيا وإيرلندا) يقيمون عيداً كبيرا للاحتفال بالخريف ، يبدأ في منتصف ليلة الواحد والثلاثين من تشرين الأول ، و يمتد حتى اليوم التالي , وهو الأول من تشرين الثاني.
وكانوا يؤمنون أن إله الموت العظيم ,و يسمى : سامان , يدعو في هذه الليلة كل الأرواح الشريرة التي ماتت خلال السنة ، والتي كان عقابها بأن تستأنف الحياة في أجساد حيوانات ، وهي فكرة هذا التجمع ، وكانت كافية لإخافة الناس الساذجين في ذاك الزمان ، لذا كانوا يُوقدون مشعلة ضخمة الهواء الطلق ، وذلك لإبعاد تلك الأرواح الشريرة عنهم ؟؟!
ولايزال يوجد أناسٌ في مناطق معزولة محددة من أوروبا ، يؤمنون بأن هذا صحيح ؟!
وكان في الأصل عيد الهالوين بسيطا جدا ، ويحتفى به في الكنيسة على الأغلب ، ثم صار الناس في أوروبا ينظرون إلى هذه المناسبة كفرصة للمزاح والإثارة , ورواية قصص الأشباح والخرافات والساحرات والأرواح ، ولإخافة بعضهم البعض .
والعجيب اليوم !! أن الهالوين صار عيداً وثنيا ، يتمسّك به عبدة الشيطان !!
ويحتفلون به ، وقد نبذه النصارى المتمسكون بعقيدتهم ؟!
والواجب على المسلمين ألا يشاركوا في مثل هذه الاحتفالات الخرافية ، والاعتقادات الشركية من باب أولى ، وأن ينأوا بأنفسهم عنها ؛ لأن المشاركة فيه تعد رضا به ، وتشبها بأهله الضالين ؟!
وأن لا يأخذوا عن الغرب إلا النافع ، من تقدمهم العلمي والصناعي وما شابهه ، لا أن يأخذوا ما سقط من أخلاقهم وعاداتهم وخرافاتهم .
وقد دلت نصوص الكتاب الكريم ، والسنة النبوية ، وعمل الأمة الإسلامية ، على حرمة مشاركة المشركين وأهل الكتاب _ من يهود ونصارى _ ووثنيين في أعيادهم وشعائر دينهم.
فمن الكتاب قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) (الفرقان: 72).
فقد قال مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة وغيرهم أن المقصود هو: أعياد المشركين ، كما في تفسير ابن جرير وغيره.
وهذا لما فيه من الباطل والمنكر ، والفواحش والخنا ، كما هو معلوم ومشاهد.
وأما من السنة النبوية :
فروى أنس بن مالك قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال: ” ما هذان اليومان ؟ ” قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله قد أبدلكم بها خيراً منهما : يوم الأضحى ويوم الفطر ” متفق عليه.
فوجه الدلالة من الحديث : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال: ” إن الله قد أبدلكم بها يومين آخرين ” والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه ، إذْ لا يجمع بين البدل والمبدل منه.
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (8/432).
وعن الثابت بن الضحاك قال : نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ ينحر إبلاً ببوانه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ ” قالوا : لا ، قال : ” فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ” قال: لا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أوف بنذرك ، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم “رواه أبو داود (3313)، وإسناده على شرط الشيخين.
وهذا الحديث يدل على أن الذبح بمكان عيدهم ، ومحل أوثانهم ، معصية لله تعالى.
كما أن المشاركة لهم في أعيادهم واحتفالاتهم الباطلة مشابهة لهم ، وتولياً لهم ولذويهم ، وقد قال عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِـمِينَ ) (المائدة: 51).
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ” ليس منا من تشبه بغيرنا ، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ” . رواه الترمذي بسند حسن .
وقال أيضاً: « ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم » رواه أحمد.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة وقد ذكرنا منها ما يكفي .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان خطورة هذه الأعياد على الأمة :
” والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها ، أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها ، فإن الأمة حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى ، وأخبروا أن سيفعل قومٌ منهم هذا المحذور ، بخلاف دين الجاهلية ، فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر، منذ اخترام أنفس المؤمنين عموماً (المصدر السابق 1/435).
وقال في موضع آخر ما معناه : الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب ، من اعتقادات وإرادات وغير ذلك.
وأمور ظاهرة : من أقوال وأفعال قد تكون عبادات ، وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن ، والاجتماع والافتراق ، والسفر والإقامة ، والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباطٌ ومناسبة ، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة ، وما يقوم بالظاهر ، من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً .
وقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، وشرع له من المناهج والشريعة ما يخالف سبيل المغضوب عليهم والضالين ، فأمر بمخالفتهم في هديهم الظاهر ، لما في مشابهتهم من المفاسد ، ومنها:
1- أن المشاركة في الهدي الظاهر ، تُورث تناسباً وتشاكلاً وتقارباً بين المتشابهين ، وهذا خلاف المعاداة التي أمر الله تعالى بها المؤمنين .
2- أن المشاركة في الهدي الظاهر ، تُوجب الاختلاط ، وارتفاع التمييز بين المهديين المرضيين ، وبين المغضوب عليهم والضالين.
3- أن اتباع هديهم سبب للخسران وغضب الله تعالى وسخطه ، فالمشارك لهم فيه مشارك لهم في أسباب الغضب والخسران في الدنيا والآخرة.
وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام ظاهراً وباطناً ـ وليس مجرد التسمية به ـ كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أتم ، وبعده عن أخلاقهم وعاداتهم أشد .
إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى ، وليرجع من أراد الاستزادة إلى كتابه السابق .
فعلى الآباء أن يعلموا أبناءهم وجوب الابتعاد عن الباطل وطقوسه ، وألا يتشبهوا بغير المسلمين في عاداتهم وأعيادهم ، وأن يزرعوا في قلوب أبنائهم مشاعر الاعتزاز بدينهم ، وأن يمنعوهم حضور احتفالات هالوين وغيرها من الأعياد غير الإسلامية ، مثل أعياد الميلاد ، وعيد الحب ، وذكرى الزواج السنوية .. وغيرها من الأعياد البدعية .
وقد جاء في حديث الذي رواه البخاري : عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الساعة لا تقوم ، حتى يتبع المسلمون سنن من كان قبلهم ، شبراً بشبر ، وذراعا بذراع .
كما أنه يحرم على المسلمين ، بيع ما يتعلق بهذه الأعياد أو شعاراتها ، أو صنع الحلوى لها ، أو الدعاية لها في الجرائد والمجلات ، لأنه من نشر الباطل ، ومن التعاون على الإثم والعدوان ، وقد قال تعالى ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) المائدة : 2 .
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من دعا إلى هُدىً كان له من الأجر ، مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة ، كان عليه من الإثم ، مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً”.
وفقنا الله جميعاً لاتباع سبيل النجاة والرضوان ، وجنبنا أسباب السخط والخسران ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.