موضوع الساعة

بدعة عيد الأم ؟!


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .

أما بعد:‏

فإنّ ما يُعرف بعيد الأم ، والذي يحتفل به كثير من الناس في الحادي والعشرين من مارس ‏، هو من جملة البدع والمحدثات التي دخلت ديار المسلمين ، لغفلتهم عن أحكام دينهم ، وهدي شريعة ربهم ، ‏وتقليدهم واتباعهم للغرب والشرق ، في كل ما يصدره إليهم . ‏
وعيد الأم هو تقليد وثني يعود لزمن الإغريق والرومان القدامى ، والذي تبناه فيما بعد نصارى انجلترا الذين يحتفلون به في يوم الأحد السابق لعيد الفصح ( وهو احتفال صلب وبعث عيسى عليه السلام حسب زعمهم ) وكان النصارى يتعبدون في يوم 21-22 مارس تكريماً لأم عيسى (أم الرب) ـ تعالى الله عن قولهم علواً كبيرا ـ وهو يصادف التاريخ المحتفل به في يومنا هذا ، ويدعونه بعيد الأم.
ثم وسع هذا الاحتفال في القرن السادس عشر في انجلترا ليشمل جميع الأمهات وسُمي “أحد الأمهات” وكان هذا الطقس الديني يبدأ في صباح يوم الأحد بصلاة ترتب تكريما لأم عيسى مريم العذراء ، وبعدها يذهب أولاد النصارى يهدون الهدايا والأزهار ، ويحتفلون بأمهاتهم .

ويوافق أيضا : عيد النيروز ، وهو من أعياد المجوس ، ويحتفل به أهل البدع اليوم ، وخاصة في إيران.
ومعناه كما قال الفيروزآبادي : النيروز أول يومٍ من السنة ، معرب نوروز. القاموس المحيط .
وتاريخه : 14 أو 21 آذار/ مارس، وهو أول السنة الشمسية للفرس ، ويوافق الأول من برج الحمل ، أول فصل الربيع.
ومدة الاحتفال به: 7أيام ، وتكثر العناية بعيد النيروز في إيران وأفغانستان ، نظراً لقربهما من مواطن المجوسية قبل الإسلام ، واستمر التأثر بأعياد المجوس حتى الآن .

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وقوع متابعة أمته للأمم السابقة من اليهود والنصارى والفرس ، وليس هذا – بلا شك – من المدح لفعلهم هذا بل هو من الذم والوعيد ، فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لتتبعن سَنن من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ ، حتى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن !؟ ” ، رواه البخاري ( 3269 ) ومسلم ( 2669 ) .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ ، فقيل : يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال : ومن الناس إلا أولئك ؟ ” . رواه البخاري ( 6888 ) .
أخذ القرون : المشي على سيرتهم .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ تشبّه بقومٍ فهو منهم ” رواه أحمد وغيره .

وقال صلى الله عليه وسلم : “من أحْدَث في أمرنا هذا ، ما ليس منه ، فهو ردٌ ” متفق عليه. ‏
ردٌ أي : مردود عليه .
ولم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهجرت أو أميتت سنة من السنن ، وقد قال التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي ،  “ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة فتمسك بسنة ‏خير من إحداث بدعة” رواه الدارمي واللالكائي وأبو نُعيم في ” الحلية ” وصححه الشيخ الألباني ، ولا يصح مرفوعاً .
ومعناه صحيح .
ومصداق ذلك أنك ترى الرجل غير بار بأمه ، لا يصلها إلا قليلاً ، فإذا كان هذا اليوم ، ‏جاءها بهدية ، أو قدم لها وردة ؟! ويظن في نفسه أنه بذلك قد أدى الواجب الذي عليه تجاهها ؟!!

‏ومعلوم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون ، غير عيدي الأضحى ‏والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى: ( لكلٍ جعلنا منكم شِرعة ومنهاجاً ) المائدة : 48 .

وقال تعالى:( لكل أمة جعلنا ‏منسكاهم ناسكوه) الحج :67 . ‏

ومن أحدث هذه البدعة إنما أحدثها تعويضاً عن تقصيره وتقصير مجتمعه في حق الأم ، وانقطاع ‏روابط الود والصلة، فأحب أن يكرمها، و يرد إليها شيئاً من حقها، فعمد إلى إحداث هذا ‏اليوم لتحتفل به الأسر تكريماً لها بزعمهم ؟!

وماذا يغني عن الأم يوم  في السنة ، يتواصل معها ويحسن إليها ، وبقية العام تكون مهملة لا يسئل عنها ، أو معزولة في بيتها ، أو نزيلة ملجأ ، أو ربما تصاحب كلبا أو هرة ، هما أوفى لها ممن ‏رضع من ألبانها وتربى في حجرها …

ولعل من المهم أن ننبه إلى أنّ الأم ربما ‏كانت شريكة في صناعة هذا العقوق ، لأنها كانت بنتاً ، وكانت تمارس ذات الأسلوب مع ‏أمها ؟! وكما تدين تدان ؟!

والاحتفال بالأم وتكريمها على هذه الطريقة المحدثة ، لن يعطيها عشر معشار ما كفلت ‏لها الشريعة الإسلامية المطهرة من الحقوق، وكيف يمكن ذلك ، وقد أمر الله جل وعلا ببرها ‏والإحسان إليها الدهر كله، وجعله حقا لها وهي على قيد الحياة، وبعد مماتها ، ولم يجعل ‏لهذا الإحسان يوما ، أو وقتا واحدا فقط ، يحتفل فيه بها، ولم تأت شريعة من الشرائع بمثل ما جاءت به ‏شريعة الإسلام . ‏
وذكر حقوق الأم في الشريعة باب يطول ، ويكفي التنبيه إلى أن الله تعالى أمر به ، ووصى في مواضع من كتابه بالإحسان إلى الوالدين ، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي ‏عن الشرك به، وأمر بالشكر لهما متصلاً بالشكر له، وخص الأم بالذكر في بعض هذه ‏الوصايا للتذكير بزيادة حقها على الأب.
فمن ذلك :‏
قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) النساء: 36 .‏

وقال تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء: 23 .‏
وقوله (وقل لهما قولاً كريماً) قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ، ولين الجانب ، فلا يغلظ لهما في ‏الجواب ، ولا يُحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين ‏يدي السيد، تذللاً لهما. ‏

ولا يمنع من برهما والإحسان إليهما كونهما غير مسلمين أو عاصيين ، قال تعالى: (وإن ‏جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً) ‏‏لقمان: 15  .‏

فأمر تعالى بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما، بل ومع أمرهما ولدهما بالكفر بالله تعالى. ‏

وعن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش ‏‎-‎‏ إذ ‏عاهدهم ‏‎-‎‏ فاستفتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي ‏وهي راغبة ‏‎-‎‏ أي في بري وصلتي لها، وقيل: راغبة عن الإسلام كارهة له ‏‎-‎‏ أفأصلها؟ قال: ‏‏”نعم صلي أمك” متفق عليه. ‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ‏رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟ قال: “أمك” قال: ثم ‏من؟ قال: “أمك” قال: ثم من؟ قال: “أبوك” متفق عليه.

فحقها مقدم على حق الأب ، ويزيد عليه بأضعاف ثلاثة . ‏

وقال صلى الله عليه وسلم : “إن الله حرم عقوق الأمهات، ومنعا وهات ووأد البنات” ‏متفق عليه. ‏

وروى البخاري في الأدب المفرد : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إني لا أعلمُ عملاً ‏أقرب إلى الله عز وجل ، من بر الوالدة . ‏

ولا يكون البر والإحسان الذي أمر به الإسلام إلى الوالدين حال حياتهما فقط ، بل إن البر باق بعد موتهما كذلك ، بالدعاء لهما، والاستغفار لهما، والصدقة لهما ، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، ‏وإكرام صديقهما .

فهذا هو الاحتفال بالوالدين – لا سيما الأم – الذي دعا إليه الإسلام ، وحثت عليه الشريعة ، ورغبت ‏فيه .

والناس بعد ذلك أحد شخصين : بارٌ بأمه كما أمرته الشريعة المطهرة ، فهذا لا يجوز له الاحتفال بهذا اليوم ، لأنه بدعة، كما سبق ، ولأن ‏هدي الإسلام في هذا الباب أتم وأحكم.

وشخص لم يكن بأمه براً ، فهو لن يكون بهذا الاحتفال ‏وهذا اليوم باراً ، بل هو ممن جمع بين العقوق والابتداع  ؟!
نسأل الله السلامة والعافية .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى