موضوع الساعة

السفر وأنواعه وآدابه

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهداه ،،،
وبعد :
فالسفر حاجةٌ من حاجات الناس المتكررة ، التي لا غنى لهم عنها ، ويكثر في أيام الإجازات ، ومنها الإجازة الصيفية ، وللشريعة فيه أحكام وآداب عظيمة ، ينبغي للمسلم والمسلمة الإحاطة بها ، لما فيها من الخير العظيم ، والهداية لسبيل المؤمنين ، الذين يقتدون بإمام المتقين ، وسيد ولد آدم أجمعين .
والسفر ينقسم إلى مذموم ومحمود ومباح .

فأما المذموم : فهو ما كان في معصية الله تعالى ، كسفر العاق لوالديه بغير إذنهما ، وكسفر المرأة دون محرم ، وكالسفر للوقوع في الفواحش والمحرمات ، والسفر من بلد وقع بها الطاعون  .
لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها ، فلا تخرجوا منها ” . متفق عليه من حديث أسامة بن زيد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ، وانظر حكم النهي عن الخروج في الفتح ( 10 / 189 ) .

وأما المحمود : فمنه ما هو واجب : كالحج والسفر لطلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم ، وهذا كثير في السلف رضي الله عنهم ، انظر كتاب ” الرحلة في طلب الحديث ” للخطيب البغدادي وغيره .

وأما المستحب : كشد الرحال لزيارة المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى .

وكزيارة العلماء للتخلق بأخلاقهم ، والتأدب بآدابهم ، وتحريك الرغبة للاقتداء بهم ، واقتباس الفوائد العلمية من أنفاسهم .

وأما المباح : كالسفر لطلب المعاش والمال .

ومن كان قصده بالسفر طلب المال ، للتعفف عن السؤال ، وستر الأهل والعيال ، والتصدق بما يفضل عن الحاجة صار هذا المباح بهذه النية من المستحبات ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” إنما الأعمال بالنيات ” انظر ” موعظة المؤمنين ” ( ص 238 ) .

ويدخل في السفر المباح : السفر بقصد الاستجمام والترويح عن النفس ، مادام ذلك في حدود ما أباح الله تعالى لعباده من الطيبات ، وإذا قصد بذلك العودة إلى العمل الصالح بنشاط وقوة ، فإنه يؤجر عليه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ” … النظر إلى الأشجار والخيل والبهائم إذا كان على وجه استحسان الدنيا والرياسة والمال فهو مذموم ، لقوله تعالى : ( ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ) ( طه : 131 ) .
وأما إذا كان على وجه لا ينقص الدين ، وإنما فيه راحة النفس فقط ، كالنظر إلى الإزهار ، فهذا من الباطل الذي يستعان به على الحق ” انظر مختصر الفتاوى المصرية للبعلي ( ص : 21 ) .

أما السياحة المجردة ؟! ففيها تضييعٌ للأعمار ، وتشتيتٌ للقلب ، وإجهاد للبدن ، ولا تخلو من إسراف في إنفاق المال .

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : ما السياحة من الإسلام في شيء ، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين ، ولأنّ السفر يشتت القلب ، فلا ينبغي للمريد أن يسافر إلا في طلب علم ، أو مشاهدة شيخ يقتدى به . اهـ الآداب الشرعية والمنح المرعية ، لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي ( 1 / 431 ) .
وجاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه : إن رجلاً قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة ! قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى ” رواه أبو داود ( 2486 ) والحاكم ( 2 / 73 ) بسند صحيح .

آداب السفر :
للسفر آداب كثيرة واردة في الكتاب والسنة النبوية الصحيحة ، نذكرها فيما يلي :
1 ـ تقديم الاستخارة : فعن جابر رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم يقول : اللهم إني استخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدرُ ، وتعلم وأعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا المر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : في عاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي ، ويسره لي وبارك لي فيه ، وإنْ كنت تعلم إن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال : في عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيثُ كان ، ثم رضِّني به ، ويسمي حاجته ” .

والاستخارة هي استفعال من الخير أو الخيرة ، واستخارة الله : طلب من الخيرة ، وخار الله له أعطاه ما هو خير له ، والمراد : طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما . الفتح ( 11 / 183 ) .

فما خاب من استشار الخالق سبحانه في أموره كلها ، فإنه لا يدري أين تكون مصلحته ؟ وفي الإستخارة تفويض أمره إلى ربه سبحانه ، ليختار له فيه الخير .

2ـ التوبة إلى الله تعالى من المعاصي ، وردّ المظالم ، وقضاء الديون وإعداد النفقة لمن تلزمه ، وردّ الودائع إلى أصحابها إن كانت عنده ، ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب ، وليأخذ قدراً يوسع به على رفقائه ، ولا بد في السفر من طيب الكلام ، وإطعام الطعام ، وإظهار مكارم الأخلاق ، والسفر من أسباب الضجر ، ومن أحسن خُلُقه في الضجر ، فهو الحسن الخلق .

ومن تمام حسن خلق المسافر : الإحسان إلى الذي يؤجر له دابته للحمل والركوب ، ومعاونة الرفقة والأصحاب بكل ممكن ، وإعانة المنقطع بمركوب أو زاد ، وإتمام ذلك مع الرفقاء بمزاح ، ومطايبة في بعض الأوقات من غير فحشٍ ومعصية ، وليكون ذلك شفاءً لضجر السفر ومشاقه  .

3 ـ استئذان الوالدين للسفر : إذْ لا يجوز السفر المباح والمستحب إلا بإذنهما ، وأن تستأذن المرأة زوجها ، وأن لا تسافر إلا مع ذي محرم كأب أو أخ أو زوج أو عم ونحوه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” لا تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحرم “. متفق عليه .

4 ـ أنْ يطلب الرفقة الصالحة الخيرة ، لتعينه على الخير إذا ذكره ، وتذكرة به إذا نسيه ، وقد أمر الله تعالى بمصاحبة الصالحين في كتابه المبين ، فقال مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم ( واصْبر نفسَك مع الذين يَدعون ربَّهم بالغَداة والعشي يريدون وجهه ولا تعدُ عيناك عنهم تُريدُ زينة الحياة الدنيا ولا تُطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) الكهف : 28 .

وقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين  ) سورة التوبة : 119 .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” لا تُصاحبْ إلا مُؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ” رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند حسن .

وليحذر المسلم ـ وخصوصا الشباب ـ من مصاحبة الأشرار ، وأهل الأهواء والشهوات المضلة ، الذين يُزينون له الفواحش على أنها بطولة ورجولة ، ويدلونه على أماكن الشر والفساد فيردونه .

5ـ يستحب له أن يخرج في رفقةٍ ، ثلاثة أو أكثر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” المسافر شيطان ، والمسافران شيطانان ، والثلاثة ركب ” رواه أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح .

وقوله صلى الله عليه وسلم : ” لو يعلم الناسُ ما في الوَحدة ما أعلم ، ما سار راكب بليلٍ وحده ” رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر : ” لو يعلم الناس …” أي : الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك .

6ـ من السُّنة أن يقول المسافر للمقيم : ” أسْتودِعك اللهَ الذي لا تضيع ودائعُه ” لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن ابن ماجة بسند صحيح .

وأن يقول المقيم للمسافر : أستودعُ اللهَ دينك وأمانتك وخواتيم عملك ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما انه كان يقول للرجل : تعال أودّعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا ، فيقول : ” استودع اللهَ دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ” ورواه أبو داود والترمذي بسند صحيح .

والمراد بالأمانة هاهنا : أهله ومن يخلفه منهم ، وماله الذي يودعه ويستحفظه أمينة ووكيله ، وجرى ذكر الدَّين مع الودائع لأن السفر قد يكون سبباً لإهمال بعض الأمور المتعلقة بالدين فدعا له بالمعونة والتوفيق فيها . ذكر ذلك الخطابي وغيره .

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني أريد سفراً فزودني ، قال : ” زودك الله التقوى ” قال زدني ، قال : ” وغفر ذنبك ” قال : زدني ، قال : ” ويسّر لك الخيرَ حيثُ ما كنت ” رواه الترمذي (3444 ) وحسنه من حديث أنس رضي الله عنه ، وهو كما قال .

وقال ابن عبد البر في كتابه ” بهجة المجالس ” : إذا خرج أحدكم إلى سفر فليودع إخوانه ، فإن الله جاعل في دعائهم بركة .

وقال الشعبي : السنة إذا قدم رجل من سفر أن يأتيه إخوانه فيسلمون عليه وإذا خرج إلى سفر أن يأتيهم فيودعهم ويغتنم دعائهم . الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي رحمه الله ( 1 / 421 ) .

وقال عيسى بن جعفر : ودعت أحمد بن حنبل حين أردت الخروج إلى بابل فقال : لا جعله الله آخر العهد منا ومنك . المصدر السابق ( 1 / 420 ) .

7ـ وأن يقول عند خروجه من منزله : بسم الله ، توكلت على الله ، لا حولَ ولا قوة إلا بالله ، فإنه يقال له : كُفيتَ ووُقيت ، ويتنحَّى عنه الشيطان ” كما في حديث أنس رضي الله عنه رواه الترمذي ( 3426 ) بسند صحيح .

8 ـ ويذكر دعاء السفر في خروجه وعند رجوعه ، فإنَّ فيه خيراً كثيراً ، وتيسيراً عظيماً للمسافر .
وهو ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال : ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) الزخرف : 13 ـ 14 ، ” اللهم إنا نسألك في سَفَرنا هذا البِّر والتقوى ، ومن العملِ ما تَرضى ، اللهم هَوّن علينا سفرَنا هذا ، واطوّ عنّا بُعده ، اللهم أنتَ الصاحبُ في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم إني أعوذُ بك من وَعْثاء السفر ، وكآبة المَنْظر ، وسوء المنقلب في المال والأهل ” . وإذا رجع قالهن وزاد فيهن : ” آيبونَ تائبون ، لربنا حَامدون ” رواه مسلم .

ومعنى ” مقرنين ” : أي مطيقين .

9 ـ وأنْ يُكبّر الله تعالى كلما علا شرفا ( جبلاً أو تلا أو غيره ) وأنْ يُسبح الله تعالى إذا نزل واديا ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا نزلنا سبحنا . رواه البخاري ونحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما .

10 ـ  ويستحب السفر يوم الخميس لحديث كعب بن مالك قال : ” قل ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في سفرٍ إلا يوم الخميس ” . رواه البخاري .
وقال النووي : فإن لم يكن ففي يوم الاثنين ، لأنه صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة يوم الاثنين .

11 ـ ويستحب أن يكون في أول النهار ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” اللهم بارك لأمتي في بكورها ” رواه احمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وفي لفظ : ” بورك لأمتي في بكورها ” . رواه الطبراني في الصغير والأوسط بسند صحيح .

ومع ذلك فإنه يجتنب التشاؤم بالأيام أو الساعات أو الشهور ، لأنّ ذلك من التطير المحرم ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحب التفاؤل ويكره التشاؤم .

12 ـ أن يغتنم السير في الليل إذا قدر عليه ، لحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” الأرض تُطوى بالليل ” . رواه أبو داود بسند حسن .
وقد احتج أبو داود وغيره على كراهة السير أول الليل : بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا ترسلوا فواشيكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء ، فإن الشياطين تبعث إذا غابت الشمس ، حتى تذهب فحمة العشاء ” رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .

والفواشي : كل شيء منتشر من المال ، كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها ، وهي جمع فاشية لأنها تفشوا أي تنتشر في الأرض ( نووي ) .

13ـ وإذا نزل للنوم والاستراحة فليجتنب قارعة الطريق ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا سافرتم في الخِصب ، فأعْطُوا الإبل حظّها من الأرض ، وإذا سافرتم في السنة فأسرعوا عليها السّير ، وإذا عرَّستم بالليل ، فاجتنبوا الطريق ، فأنها مأوى الهوام بالليل ” رواه مسلم . وفي رواية : ” فإنها طرق الدواب ، ومأوى الهوام بالليل ” .

والتعريس : النزول آخر الليل للنوم والاستراحة ، قال النووي رحمه الله : وهذا أدب من آداب السير والنزول ، أرشد إليه صلى الله عليه وسلم ، لأن الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع وغيرها ، تمشي في الليل على الطرق لسهولتها ، ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه ، وما تجد فيها من رمة ونحوها ، فإذا عرس الإنسان في الطريق ربما مرَّ به ما يؤذيه ، فينبغي أن يتباعد عن الطريق .

14 ـ أنْ يؤمروا أحدهم لضبط أمورهم ، وحسم اختلافهم : لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ” . رواه أبو داود بسند حسن .

وهو من محاسن الشرع ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر ، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع . اهـ .

15ـ يستحب لهم إذا نزلوا منزلاً : أنْ لا يتفرقوا ، بل يجتمعوا من غير أن يضيق بعضهم على بعض ، لحديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : كان الناس إذا نزلوا منزلاً ، تفرقوا في الشِّعاب والأودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنَّ تفرقكم في هذه الشعاب والأودية ، إنما ذلكم من الشيطان ” . فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً ، إلا انضم بعضهم إلى بعض . رواه أبو داود بسند جيد .

16 ـ أن يذكر دعاء المنزل ، وهو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ” من نزل منزلاً ، فقال : أعوذُ بكلماتِ الله التامات ، من شرِّ ما خلق ، لم يضرُّه شيءٌ حتى يرتحل من منزله ذلك ” رواه مسلم .

17 ـ ويستحب له أنْ يتعجّل الرجوع إلى أهله ، إذا قضى حاجته من سفره ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” السفرُ قطعةٌ من العذاب ، يَمنع أحدكم نومَه وطعامه وشرابه ، فإذا قضى أحدُكم نهمته من وجهه ، فليعجل الرجوع إلى أهله ” . رواه البخاري ومسلم ( 3 / 1526 ) .
فالسفر يمنع كمال النوم ، لما فيه من المشقة والتعب ، ومقاساة الحر والبرد ، والسرى والخوف ، ومفارقة الأهل والأصحاب ، وخشونة العيش .
والنهمة : هي الحاجة .
فالمقصود بهذا الحديث : استحباب تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء شُغله ، ولا يتأخر بما ليس بمهم . ( نووي ) .

18ـ وإذا رجعَ إلى أهله فلا يدخل عليهم غفلة دون أنْ يبلغهم قدومه ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : ” كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ، كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية ” متفق عليه .
وفي رواية لمسلم ( 3 / 1528 ) : ” نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجلُ أهله ليلاً يتخونهم أو يلتمس عثراتهم ” .

قال أهل اللغة : الطروق : المجيء بالليل ، من سفرٍ أو غيره على غفلة ، ويقال لكل آتٍ بالليل طارق ، ولا يقال بالنهار إلا مجازاً .

وقوله صلى الله عليه وسلم ” إذا أطال أحدكم الغيبة ..” يدل على أنّ ذلك مقيد بالسفر الطويل ، فإما أنْ يخرج لحاجته مثلا نهاراً ويرجع ليلاً ، فلا يتأتّى له ما يحذر من الذي يُطيل الغيبة ، فيقع الذي يهجم بعد طول الغيبة غالباً على ما يكره ، إما أنْ يجد أهله على غير أُهبةٍ من التنظف والتزين المطلوب من المرأة ، فيكون ذلك سبب النفرة بينهما ، وإما أنْ يجدها على حالةٍ غير مرضية ، والشرع محرض على الستر ، مانع من التجسس ، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله : ” أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم ” .
أما مَنْ أعلم أهله بوصوله ، وأنه يقدم في وقت كذا ، فلا يتناوله هذا النهي . وقد صرح بذلك ابن خزيمة في صحيحة . ثم ساق من حديث ابن عمر قال : قَدِم النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة فقال : ” لا تَطْرُقوا النساء ” وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون . الفتح ( 9 / 340 ) بتصرف .
وقد جاء في رواية جابر .. فلما قدمنا – يعني من غزوة – ذهبنا لندخل ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” أمهلوا حتى تَدخلوا ليلا ـ أي عشاءً ـ لكي تَمْتَشط الشّعثة ، وتَسْتحدّ المغيبة ” رواه البخاري .
وهو يدل أيضا على الإعلام ثم الإمهال قبل الدخول ، حتى تمتشط المرأة الشعثة ، أي : التي انتشر وتفرق شعرها . وتستحد : مأخوذ من الحديد ، ومعناه الحلق بالموسى ، كحلق العانة وغيره .

19 ـ ويستحب أن : ” يحمل لأهل بيته وأقاربه تُحفةً من مطعومٍ أو غيره على قدر إمكانه ، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر ، والقلوب تفرح به ، فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم ، وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحب في الطريق لهم ” . موعظة المؤمنين ( 240 ).
والله تعالى أعلم
اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ،  اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه

زر الذهاب إلى الأعلى