القَوْلُ المُخْتَصَرُ المُبِينُ في مناهج المفسرين
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
إنّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونَستَعينه ونَستغفره ، ونعوذُ باللهِ منْ شُرور أنفسنا ، ومن سيئاتِ أعمالنا ، منْ يهْده الله فلا مضلّ له ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله .
اللهم صلّ على محمدٍ وعلى آلِ محمد ، كما صليتَ على إبراهيمَ ، وعلى آلِ إبراهيم ، إنك حميدٌ مجيدٌ .
وبعد :
فإنّ علمَ تفسيرِ القرآن العظيم ، مَنْ أشرفِ العلوم الإسلامية ، وأرفعها قَدراً ، لارتباطه بكلام الله عزّ وجل ، الذي هو أعظمُ الكلام ، وأشرفه وأعلاه ، وأحكمُه وأعلمه ، وقد أنزله الله تعالى إلينا نوراً وهدى ، وبياناً للحق وأهله ، وموعظةً وعبرة ، وحكمةً وزكاة ، وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة ، لمن اتبعه واهتدى به ، وفعل ما أُمر به فيه ، واتبعه بقدر استطاعته .
والاشتغال بكتاب الله عزّ وجل وعلومه ، وتلاوته وفهمه وتدبره ، شرفٌ ورفعة لصاحبه في الدنيا والآخرة .
فعن أنسٍ رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ لله أهلينَ مِنْ الناس ” قالوا : يا رسولَ الله ، مَنْ هم ؟ قال : “هُم أهلُ القُرآنِ ، أهلُ الله وخَاصّته “. أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة .
والمفسرون لكتاب تعالى ، هم الجديرون لأنْ يكونوا أهل الله وخاصته ، لأنهم أعلمُ الناس بكتاب ربّهم جل جلاله ، وتقدَّست أسماؤه ، ومعانيه وأحكامه .
وقال تعالى 🙁 يُؤتي الحِكمةَ مَنْ يشاء ومنْ يُؤت الحكمة فقدْ أُوتي خيراً كثٌيراً ) البقرة : 269 .
قال علي بن ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : يعني المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومَنْسوخه ، ومُحْكمه ومتشابهه ، ومُقدّمه ومُؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .
وأخرج ابن أبي حاتم : عن عمرو بن مرة قال : ما مررتُ بآيةٍ من كتاب الله لا أعرفها ، إلا أحْزَنتني ، لأني سمعتُ الله تعالى يقول : ( وتلكَ الأّمثالُ نَضربها للنَّاسِ وما يَعقلها إلا العَالمون ) العنكبوت : 43 .
وبيَّن الله تعالى أنه إنما أُنزل الكتاب ، ليُتدّبر ويفهم ، فقال : ( كتابٌ أّنزلناه إليك مباركٌ ليدَّبَّروا آياته وليتذّكَّر أولُوا الأّلباب ) ص : 29 .
وحثَّ عباده على تدبره ، فقال : ( أّفلا يتدبَّرون القرآنَ ولو كانَ من عندِ غيرِ اللَّه لوجدوا فيه اختلافاً كثٌيرا ) محمد : 82 .
وذمّ المُعرضين عن فهمه وتدبره ، والعلم به والعمل بأوامره ، فقال : ( أفلا يتدّبَّرون القرآن أّم على قلوب أّقفالهّا ) محمد : 24 .
قال مجاهد : أحبُّ الخَلقِ إلى الله تعالى ، أعْلَمهم بما أَنزل .
وقال الحسن : واللهِ ما أنزل الله آيةً ، إلا وهو يُحبُّ أن تُعلم فيما أنزلت ، وما أراد الله بها .
قال ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره : ” فالواجبُ على العلماء الكشف عن معاني كلام الله ، وتفسير ذلك وطلبه من مظانة ، وتعلّم ذلك وتعليمه ، كما قال تعالى: ( وإذْ أخذَ اللهُ ميثاقَ الذينَ أُوتُوا الكتابَ لتبينّنه للناسِ ولا تَكتمونه فنبذوه وراءَ ظهورهم واشْتروا به ثمناً قليلاً فبئسَ ما يَشترون ) آل عمران : 187.
وقال تعالى ( إنّ الذين يَشترونَ بعهدِ الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خَلاقَ لهم في الآخرة ولا يُكلمهم اللهُ ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم ) آل عمران : 77 .
فذمّ الله تعالى أهل الكتاب قبلنا ، بإعراضهم عن كتاب الله المنزل عليهم ، وإقبالهم على الدنيا وجمعها واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله ” .
ثم قال : ” فعلينا أيها المسلمون أنْ ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به ، وأنْ نأتمر بما أمرنا به ، من تعلم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه ، وتفهمه وتفهيمه ( ألم يأنِ للذينَ آمنوا أنْ تخشعَ قلوبُهم لذكر الله وما نزلَ من الحقّ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطالَ عليهم الأمدُ فقَستْ قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون * اعلموا أنَ الله يحيي الأرضَ بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ) الحديد : 16، 17 .
قال : ففي ذكره تعالى لهذه الآية بعد التي قبلها ، تنبيهٌ على أنه تعالى كما يُحيي الأرض بعد موتها ، كذلك يلين القلوب بالإيمان والهدى بعد قسوتها ، من الذنوب والمعاصي ، والله المؤمل المسئول أن يفعل بنا هذا ، إنه جواد كريم . انتهى كلامه رحمه الله .
وبعد :
فهذه كلماتٌ مختصرة مبينة ، لبعض التفاسير المشهورة ، وخصائصها من النواحي العقدية والمنهجية ، والحديثية والفقهية واللغوية وغيرها ، وبيان موقف مصنفيها من العقيدة السلفية ، وفيما يتعلق بالأسماء والصفات خصوصا ، وذلك أنّ بيان مذهب المفسر في ” الأسماء والصفات ” يدل على التزامه بباقي المذهب ، كالإعتزال أو الأشعرية … وغيرها .
وقد كنتُ باديء ذي بدءٍ كتبتُها لنفسي ، ثم رأيتُ نشرها بين طلبة العلم ليتعدى نفعها لغيري ، ويستفيد منها سواي .
والذي دفعني لهذا أمران :
الأول : أني كنتُ أرى كثيراً من المسلمين – بل ومن طلبة العلم – منْ يقتني بعض كتب التفسير ، وهو لا يَعلم عقيدة مصنف الكتاب !! فضلاً عن معرفته بميزات الكتاب من النواحي الأخرى ( الفقهية والحديثية واللغوية … الخ ) .
الثاني : إنه لا يوجد – فيما أعلم – كتاباً مختصراً في هذا الشأن ، والاختصار وحده ، أحدُ دواعي الكتابة والتأليف ، كما قال الشيخ أبو الحسن الخازن في مقدمة تفسيره : “… ينبغي لكلّ مؤلف كتاباً ، في فنٍّ قد سبق إليه ، أنْ لا يخلو كتابه من خمس فوائد :
استنباطُ شيءٍ إنْ كان مُعضلا .
أو جمعُه إنْ كان متفرّقا .
أو شرحُه إنْ كان غامضاً .
أو حسن نظمٍ وتأليف .
أو إسقاط حشوٍ وتطويل .
وأرجوا ألا يَخلُو هذا الكتاب ، من هذه الخصال التي ذكرت .. ” .
وقد استعنت فيما يتعلق بالنواحي الفقهية ، واللغوية ، والشعر ، والقراءات ، وإيراد الإسرائيليات ، بكتاب ” التفسير والمفسرون ” للشيخ السلفي / محمد حسين الذهبي رحمه الله تعالى ، وهو كتابٌ نافع مفيد ، اجتهد فيه مؤلفه اجتهاداً كبيراً ، واستقرأ فيه كثيراً من كتب التفسير ، وذكر خصائص كل تفسير من نواحٍ كثيرة ، فجزاه الله خيراً وغفر له .
كما استعنت فيما يتعلق بالصفات ، بكتاب ” المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات ” للشيخ محمد المغراوي ، وغيره من كتب التوحيد .
وأضفت إليه ما جمعته مما راجعته بنفسي ، وبحثت فيه في مواضعه ، وما تجمع لدي من ملاحظات سابقة ، وتنبيهات وبحوث متناثرة .
وقد رتّبته على وفيات المفسرين ، الأقدم منهم أولاً ثم الذي يليه ، وهكذا ، وقد ضم أكثر من عشرين كتاباً .
وسميته بـ ” القول المختصر المبين في مناهج المفسرين ” .
وأخيراً : أسأل الله السميع العليم ، أنْ ينفع به الإسلام المسلمين ، وأنْ لا يحرمنا أجره وبركته ، وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين .