حكم التحويل للمال مع الصرف
حكم التحويل للمال مع الصرف
السؤال : ما حكم تحويل المال من بلد لآخر مع الصرف للمبلغ بعملة البلد الآخر؟
وهل لذلك شروط معينة ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد :
فتحويل المال من بلد إلى بلد؛ بعد صرفه إلى عملة أخرى ، حاجة من الحاجات الملحة في أيامنا هذه ، والتي تيسر على الناس أمور حياتهم ، وقضاء حوائجهم ، وسداد التزاماتهم .
وصورته : أنَّ يقوم من يريد التحويل مبلغ من المال لبلد آخر ، بدفع المبلغ للصراف أو للبنك؛ على أن يُحول بعد صرفه إلى بلد آخر، وذلك مقابل شيك أو إيصال يحصل عليه، يدون فيه مقدار المال بالعملة المحوَّل إليها .
وقد تعددت أقوال العلماء المعاصرين في هذه المسألة ، وذلك أن فيها الجمع فيها بين الصرف للمال ، والتحويل في معاملة واحدة .
وأقوال العلماء فيها كالتالي :
القول الأول : صحة هذا الجمع بين الصرف والتحويل، على اعتبار أن استلام الشيك أو الإيصال ، هو قبض حكمي ، يأخذ حكم القبض الحقيقي، بشرط أن يحمل تاريخ اليوم الذي تم فيه الصرف، وقد صحح هذا القول عدد من الفقهاء المعاصرين، مستدلين بأدلة :
منها: القياس على ما جاء عن ابن الزبير رضي الله عنه ، فقد ذكر في المبسوط العلامة السرخسي رحمه الله : مسألة : الجزء الرابع عشر
وعن عطاء رحمه الله : أن ابن الزبير رضي الله عنه كان يأخذ بمكة الورق من التجار ، فيكتب لهم إلى البصرة وإلى الكوفة ، فيأخذون أجود من ورقهم .
قال عطاء : فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن أخذهم أجود من ورقهم فقال : لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يأخذ الورق بمكة على أن يكتب لهم إلى الكوفة .
ومنها: ما نقل عن بعض العلماء كالحنابلة ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أن الأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع ، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وتارة باللغة كالشمس والقمر والبر والبحر، وتارة بالعرف كالقبض والتفريق والحرز والسفر .
فالمرجع في مسألة القبض هاهنا إلى عرف الناس وعادتهم ، من غير حد يستوي فيه جميع الناس في جميع الأحوال والأوقات ، وهذا يسمى قبضا في عرف أهل العصر.
القول الثاني: من يرى عدم صحة هذا العمل ، بل لا بد من فصل الصرف عن التحويل؛ بأنَّ يتم صرف العملة الموجودة إلى الثانية المطلوبة ويتم التقابض وتسليم المال، ثم يعيد طالب تحويل المال، العملة التي استلمها إلى البنك أو الصراف ثانية بعد أن استلمها منه ، ليقوم بتحويلها، للبلد التي يريد .
واستدلوا بأدلة منها:
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
ووجه الدلالة : أن عمر رضي الله عنه أنكر على طلحة فعله، وبين له حقيقة القبض، وقد قال العلماء في قوله: “هاء وهاء”، أي : خُذ وهات، كناية عن التقابض في المجلس ، فهذا هو القبض الشرعي في الصرف : خذ وهات ، حتى لا يكون فيه تأخير، فلو كان هناك قبض آخر لذكره .
2- إنْ صحَّ اعتبار الشيك قبضاً بالنسبة للحوالة، فلا يمكن اعتبار ذلك قبضاً بالنسبة للصرف الشرعي ؛ لأنَّ شرط جواز الصرف التقابض في المجلس، والشيك في حد ذاته ليس هو مقابل بدل الصرف، بل نائباً عنه، ويلزم لقبض قيمة ما أثبت فيه ، مفارقة المجلس قبل القبض الحقيقي للنقود، فلا يقوم مقام بدل الصرف في المجلس، فلا يعتبر قبضه قبضاً في الصرف .
القول الثالث : من يرى وجوب فصل التحويل عن الصرافة، لكن يكفي في قبض العملة ، أن يحصل قبض حكمي بإيصال أو شيك ، ثم يتم التحويل، واستدلوا بوجوب الفصل بالأدلة التي ذكرها أصحاب الرأي الثاني ، واستدلوا بأن القبض الحكمي ينوب على القبض الحقيقي ، بالأدلة التي ذكرها أصحاب الرأي الأول، لكنهم اشترطوا لذلك شروطا هي :
1- أن يكتب في الإيصال أو الشيك كامل المبلغ المتفق عليه.
2- أن يكون على مليء قادر على الوفاء.
3- أن يكون مؤرخا بتاريخ اليوم الذي حصل فيه الصرف.
وهناك مناقشات لهذه الآراء وترجيحات وردود من قبل أهل العلم لا مجال لعرضها وذكرها، لأن الأمر يطول بذلك ، والراجح والله أعلم :
صحة الرأي الأول ، الذي يجوز هذه المعاملة اليوم نظراً لحاجة الناس إلى هذه المعاملات، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، وفي إلزام الناس بالقول الثاني حرجٌ ومشقة، والمشقة تجلب التيسير، ورفع الحرج عن الأمة مقصد من مقاصد ديننا الحنيف، كيف وقد قال ربنا : ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج : 78 ، والله أعلم .
وقد جاء في قرار مجمع الفقهي الإسلامي ، التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة ما نصه : ” بعد الدراسة والبحث قرر المجلس بالإجماع ما يلي:
” أولا : يقوم استلام الشيك مقام القبض ، عند توفر شروطه في مسألة صرف النقود بالتحويل في المصارف .
ثانياً : يعتبر القيد في دفاتر المصرف في حكم القبض ، لمنْ يريد استبدال عملة بعملة أخرى ، سواء كان الصرف بعملة يعطيها الشخص للمصرف ، أو بعملة مودعة فيه ” انتهى .
والله تعالى أعلم