حكم الطلاق عبر وسائل التواصل
حكم الطلاق عبر وسائل التواصل
ما القول في هذه المسألة التي استجدت في حياة الناس ، وكثر الحديث عنها في وسائل الإعلام ، وفي مجالس الناس واجتماعاتهم ، وهي مسألة : هل يقع الطلاق عبر وسائل الاتصال الحديثة ؟ كرسائل الجوال ، ورسائل الواتس آب ، وتوتيتر ، وسناب جات ، وغيرها ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
أن الطلاق ليس من الأمور التي تحتمل اللعب والعبث ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّمَ :” ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالرَّجْعَةُ “. رواه أبو داود (2194) ، والترمذي (1184) ، وابن ماجة (2039).
قال الإمام ابن القيم في ” زاد المعاد ” (5/204) في كلامه على فقه الحديث : ” .. وتضمنت أنّ المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة ، لزمه ما هزل به ، فدل ذلك أن كلام الهازل معتبر ، وإنْ لم يعتبر كلام النائم والناسي وزائل العقل والمكره ، والفرق بينهما : أنّ الهازل قاصد للفظ ، غير مريد لحكمه ؟ وذلك ليس إليه ، فإنما إلى المكلف الأسباب ، وأما ترتب مسبباتها وأحكامها ، فهو إلى الشارع ، قصده المكلف أو لم يقصده ، والعبرة بقصده السبب اختيارا في حال عقله وتكليفه ، فإذا قصده رتب الشارع عليه حكمه ، جدّ به أو هزل ، وهذا بخلاف النائم والمُبَرسم والمجنون وزائل العقل ، فإنهم ليس لهم قصد صحيح ، وليسوا مكلفين ، فألفاظهم لغوٌ ، بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ، ولا يقصده انتهى .
فالحاصل : أنه إذا طلق الرجل زوجته مشافهة ، أو عن طريق الهاتف ونحوه ، فإنّ الطلاق واقع شرعاً .
كما أنه لا يتوقف على الإشهاد ، فالطلاق يقع بمجرد تلفظ الزوج به ، وعرفت الزوجة أن الذي خاطبها هو زوجها ، وليس هناك تزوير ؛ لأنه ينبني على ذلك اعتداد الزوجة ، واحتساب بداية العدة من وقت صدور الطلاق الذي خاطبها به الزوج .
أما الكتابة للزوجة بالطلاق عبر الرسالة الورقية أو الفاكس أو الحاسب الآلي المرتبط بشبكة الانترنت ، أو الكتابة عبر رسائل الجوال ، فهو واقع على الصحيح .
ومثله الآن إذا كان بالصوت والصورة التي تنقل عبر بعض وسائل التواصل بالفيديو ، كسناب جات أو الواتس آب .
قال العلامة ابن قدامة في المغني : ” إذا كتبَ الطلاق ، فإن نواه طلقت زوجته ؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق ، فإذا أتى فيها بالطلاق وفهم منها ونواه وقع كاللفظ ؛ ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ، بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ رسالته ، فحصل ذلك في حق البعض بالقول ، وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف ؛ ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق .
فأما إنْ كتب ذلك من غير نية ، فقول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي ، أنه لا يقع ؛ لأنَّ الكتابة محتملة ، فإنه يقصد بها تجربة القلم ، وتجويد الخط ، وغمِّ الأهل فلم يقع من غير نية كالكناية بالطلاق . فإنْ نوى تجويد خطه أو تجربة قلمه لم يقع ؛ لأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع لم يقع ، فالكتابة أولى ” . انتهى .
وهنا ننبه إلى خطورة التلاعب بالطلاق وجعله مجالاً للهزل والضحك والسخرية فإن الطلاق أمره خطير ، ولا يصح التلاعب به فثلاث هزلهن جد ، ومنها الطلاق .
أصلح الله أحوالنا وأقوالنا وأعمالنا ، إنه سميع مجيب ،،،
والله أعلم ..