أرشيف الفتاوى

حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة وسكتات الإمام

 

حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة وسكتات الإمام


السؤال ( 356 ) :

ما حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة ؟ وما حكم سكوت الإمام بعد قراءته للفاتحة ليقرأ المأموم ؟

الجواب :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :

أما قراءة سورة الفاتحة في الصلاة ، فهي ركنٌ من أركان الصلاة ، لا تصح الصلاة دونها ، سواء كان ذلك للإمام والمأموم والمنفرد ، وسواء كانت الصلاة جهرية أو سرية ، فرضا كانت أو نفلاً ، على الصحيح من أقوال أهل العلم .
ودليل ذلك : ما رواه عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ” متفق عليه .

قال الحافظ النووي رحمه الله : ” قراءة الفاتحة للقادر عليها ، فرضٌ من فروض الصلاة ، وركن من أركانها ، ومتعينة، لا يقوم مقامها ترجمتها بغير العربية ، ولا قراءة غيرها من القرآن ، ويستوي في تعيينها جميع الصلوات ، فرضها ونفلها ، جهرها وسرها ، والرجل والمرأة ، والمسافر ، والصبي ، والقائم ، والقاعد ، والمضطجع ، وفي حال شدة الخوف وغيرها ، وسواء في تعينها الإمام والمأموم والمنفرد ” انتهى . المجموع (3/326)

وأما تعينها على المأموم ، فدليله : ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فيها بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ، ثلَاثًا ، غَيْرُ تَمَامٍ . فقيل لِأَبِي هُرَيرة : إِنَّا نكونُ وَرَاءَ الْإِمامِ؟ فَقال – يعني أبو هريرة رضي الله عنه – : اقْرَأْ بِها في نَفْسِكَ ” رواه مسلم .
وأصرح منه ؛ ما في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما : من حديث عبادة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى الصبح فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : ” إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم ؟ “، قلنا : يا رسول الله ، إي والله . قال : ” لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها “.

فيتقرر بما سبق : أنه يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ، وأنها لا تسقط عنه ، إلا إذا كان مسبوقا وأدرك الإمام راكعا ، فحينئذ يتحمّلها الإمام عنه .

وأيضاً : فالقول بوجوب قراءة المأموم للفاتحة خلف الإمام في الجهرية والسرية جميعاً ، هو الأحوط للخروج من الخلاف ، لأنّ من قال بوجوب القراءة خلف الإمام ، يرى بطلان صلاة من تركها !
وقد سئلت اللجنة الدائمة عن مثل هذا السؤال فأجابت :

الصحيح من أقوال أهل العلم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة على المنفرد والإمام والمأموم في الصلاة الجهرية والسرية لصحة الأدلة الدالة على ذلك وخصوصها ، وأما قول الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) فعام ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وإذا قرأ فأنصتوا ) ، عام في الفاتحة وغيرها . فيخصصان بحديث : ” لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ” جمعا بين الأدلة الثابتة ، وأما حديث : ” من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ” فضعيف ، ولا يصح ما يقال من أن تأمين المأمومين على قراءة الإمام الفاتحة يقوم مقام قراءتهم الفاتحة ، ولا ينبغي أن تجعلوا خلاف العلماء في هذه القضية وسيلة إلى البغضاء والتفرق والتدابر ، وإنما عليكم بمزيد من الدراسة والاطّلاع والتباحث العلمي . وإذا كان بعضكم يقلّد عالماً يقول بوجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية وآخرون يقلدون عالماً يقول بوجوب الإنصات للإمام في الجهرية والاكتفاء بقراءة الإمام للفاتحة فلا بأس بذلك ، ولا داعي أن يشنِّع هؤلاء على هؤلاء ولا أن يتباغضوا لأجل هذا .
وعليهم أن تتسع صدورهم للخلاف بين أهل العلم ، وتتسع أذهانهم لأسباب الخلاف بين العلماء ، واسألوا الله الهداية لما اختلف فيه من الحق إنه سميع مجيب ، وصلى الله على نبينا محمد
* أما السكتة من الإمام بعد قراءة الفاتحة : لإعطاء فرصة للمأمومين لقراءتها ، فهي مسألة فيها خلافٌ بين أهل العلم ، وهي مشروعة عند الحنابلة والشافعية ، مكروهة عند المالكية والحنفية .
والراجح : أنّها مشروعة ، وأنَّ الإمام يترك فُسحة للمأمومين يقرؤون فيها فاتحة الكتاب ، لوجوبها عليهم ، فقد روى أبو داود (778) والترمذي (251) في الصلاة : باب ما جاء في السكتتين في الصلاة ، وابن ماجة (844) :
عن الحسن عن سمرة قال : سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك عمران بن حصين ، وقال : حفظنا سكتة ، فكتبنا إلى أُبي ابن كعب بالمدينة ، فكتب أُبي : أن حفظ سمرة .
قال سعيد : فقلنا لقتادة : ما هاتان السكتتان ؟ قال : إذا دخل في صلاته ، وإذا فرغ من القراءة ، ثم قال بعد ذلك : وإذا قرأ ( ولا الضالين ) . قال : وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة ؛ أنْ يسكت ، حتى يترادَّ إليه نفسه .
قال : وفي الباب عن أبي هريرة . قال أبو عيسى : حديث سمرة حديث حسن ، وهو قول غير واحد من أهل العلم ، يستحبون للإمام أنْ يسكت بعدما يفتتح الصلاة ، وبعد الفراغ من القراءة ، وبه يقول أحمد وإسحق وأصحابنا .
وقد صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله .
وقوله : ” سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” وفي رواية لأبي داود : ” حفظت سكتتين في الصلاة : سكتة إذا كبّر الإمام حتى يقرأ ، وسكتة إذا فرغَ من فاتحة الكتاب ، وسكتة عند الركوع “.
وفي رواية أخرى له : ” سكتة إذا كبّر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، فأنكر ذلك أي ما حفظه سمرة من السكتتين  عمران بن حصين ، قال : حفظنا سكتة ” أي واحدة ” فكتبنا ” قائله سمرة ” إلى أبي بن كعب ” وهو الأنصاري الخزرجي سيد القراء ، كتب الوحي وشهد بدراً وما بعدها ، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنْ يقرأ عليه رضي الله عنهم ، وكان ممن جمع القرآن .
قوله ” فكتب أُبي أنْ حفظ سمرة ” . وفي رواية أبي داود : ” فصدق سمرة ” .
قال المباركفوري : قال الشوكاني : حصل من مجموع الروايات ثلاث سكتات : الأولى بعد تكبير الإحرام ، والثانية إذا قرأ ولا الضالين ، والثالثة إذا فرغ من القراءة كلها . ” تحفة الأحوذي ” ( 2 / 72 ).
وقال الشوكاني : قد صحّح الترمذي حديث الحسن عن سمرة في مواضع من سننه ، منها : حديث نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، وحديث جار الدار أحق بدار الجار ، وحديث لا تلاعنوا بلعنة الله ، ولا بغضب الله ولا بالنار ، وحديث صلاة الوسطى صلاة العصر ، فكان هذا الحديث على مقتضى تصرفه جديرا بالتصحيح . وقد قال الدارقطني : رواة الحديث كلهم ثقات .
وقد جاء أنّ بعض الأئمة من التابعين ؛ كانوا يسكتون قبل قراءة الفاتحة ، لكي يقرأ المأمومون .
فروى عبد الرزاق ( 2 / 134) عن معمر وابن جريج قالا أخبرنا ابن خُثيم عن : سعيد بن جبير أنه قال : لا بد أنْ تقرأ بأم القرآن مع الإمام ، ولكن من مضى كانوا إذا كبّر الإمام ، سكت ساعة لا يقرأ ؛ قدر ما يقرؤن أم القرآن .

وابن خثيم هو التابعي القارئ عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي ، وقد ذكر هذا الأثر الحافظ ابن حجر في ” فتح الباري ” ( 2 / 284) .
قال المرداوي : الصحيح من المذهب : أنه يستحب أن يسكت الإمام بعد الفاتحة ، بقدر قراءة المأموم . ” الإنصاف ” ( 2 / 230 ) .

وقال ابن قدامة رحمه الله : “يستحب أنْ يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة سكتة يستريح فيها ، ويقرأ فيها مَنْ خلفه الفاتحة ، كي لا ينازعوه فيها.
وهذا مذهب الأوزاعي ، والشافعي، وإسحاق.
وكرهه مالك ، وأصحاب الرأي .
ولنا : ما روى أبو داود ، وابن ماجة : أن سمرة : حدّث أنه حَفِظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين ؛ سكتة إذا كبر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فأنكر عليه عمران ، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب، فكان في كتابه إليهما ، أن سمرة قد حفظ .
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : للإمام سكتتان ، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب ، إذا دخل في الصلاة وإذا قال ولا الضالين .
وقال عروة بن الزبير : أما أنا فأغتنم من الإمام اثنتين، إذا قال : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ، فأقرأ عندها، وحين يختم السورة ، فأقرأ قبل أن يركع .
وهذا يدل على اشتهار ذلك فيما بينهم . رواه الأثرم ” . انتهى من “المغني”(1/291) .
ولكن إذا لم يسكت الإمام بعد قراءته الفاتحة فلا يعذر المأموم بتركها ، بل يقرأ مسرعا بها ، ولا يضره ترك الإنصات لقراءة الإمام ، فإنه قدر يسير .

والله تعالى أعلم

زر الذهاب إلى الأعلى