فضائل المسجد الأقصى
السؤال ( 357 ) : ما هي فضائل المسجد الأقصى ؟ وما واجبنا نحوه ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ز
وبعد :
فالمسجد الأقصى مسجد مبارك ، له مكانة عالية عند الله عز وجل وعند عباده المؤمنين ، ومنزلة رفيعة في ديننا ، قد خصّه الله تعالى بميزات كثيرة ، وخصائص عديدة ، وفضائل جمّة تدل على رفيع مكانته ، وعظيم قدره .
فمن فضائله الثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة :
1- : أنه ثاني مسجد وُضع في الأرض :
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قال : ” الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ” قال قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قال : ” الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ” ، قُلْتُ : كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا ؟ قال : ” أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ ” . رواه البخاري (3366) ، ومسلم (520).
3- ومن فضائله : أنه قبلة المسلمين الأولى ، قبل نسخ القبلة وتحويلها إلى الكعبة :
فعن البراء رضي الله عنه قال : ” صَلَّيْنَا مع النَّبِي صلّى اللَّه عليه وسلَّم نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ – أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ – شَهْرًا ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ ” . رواه البخاري (4492) ، ومسلم (525).
3- ومن فضائله أنه مَسْرى النبي صلى الله عليه وسلم :
قال الله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ) الإسراء:1.
ومنه عُرج به إلى السموات العُلا ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وهو دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ ، فَوْقَ الحِمَارِ ودُونَ الْبَغْلِ ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ ، قَال : فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، قال : فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ ، قَال : ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ ، وإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ ، فقال جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ” . رواه مسلم (162).
وقد قيل : لو لم تكن لهذا المسجد إلا هذه الفضيلة ، لكانت كافية .
4- ومن فضائل المسجد الأقصى : أنه أحد المساجد الثلاثة المفضلة ، التي لا يجوز شد الرِّحال بنية التعبُّد إلا إليها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، ومَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ” . رواه البخاري (1189) ، ومسلم (1397).
5- ومن فضائله : أنّ الصلاة فيه تضاعف إلى خمسين ومائتين صلاة :
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : تَذَاكَرْنَا ونحنُ عِندَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : مَسْجِدُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ فقال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” صلاةٌ في مسجدي ، أفضلُ من أربع صلواتٍ فيه ، ولَنِعمَ المُصَلَى هُو ، وليُوشكن أنْ يكون للرجل مثل شَطَن فرسه من الأرض ، حيث يرى منه بيت المقدس ، خيرٌ له من الدنيا جميعًا “. أو قال : ” خيرٌ له من الدنيا وما فيها ” . رواه الحاكم (4/509) وصححه ، ووافقه الذهبي .
شطن الفرس : هو الحبل الذي يُربط به .
وهذا عَلم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، ومن أشراط الساعة ، حيث بيَّن أنَّ المسجد الأقصى سيحال بينه وبين المسلمين ، حتى إنّ المؤمن ليتمنى أنْ يكون له موضع صغير ، ولو مِقدار الحبل ، يطلُّ منه على المسجد الأقصى ، أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها ، وهو الحاصل في أيامنا هذه .
6- ومن فضائله : تكفير ذنب من صلى فيه :
ففي حديث : عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا : حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ ، ومُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ، وألَّا يَأْتِيَ هذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ” فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ” أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا ، وأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ ” . رواه النسائي (693) ، وابن ماجه (1408) وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب (1178) .
7- ومن فضائله : البُشارة بفتحه ، قبل أن يُفتَح ، وهو من أعلام النبوة :
فعن عوف بن مالِك رَضِي الله عنْهُ قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدم ، فقال : “أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وهو فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقال : ” اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ : مَوْتِي ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً ، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا ” . رواه البُخاري .
8- ومن فضائله : أنه مسجد في أرضٍ مباركة ، وهي أرض الشام ، وهي مهاجر إبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام :
فقد وصف القرآن الكريم في كثير من آياته بيت المقدس ، ومسجده ، بالبركة ، وهي النَّماء والزيادة في الخيرات ، والمنح والهبات ؛ حيث قال سبحانه وتعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) الإسراء : 1.
وقال تعالى (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ) العنكبوت .
وهذا حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام .
وقال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يُستَضْعَفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) الأعراف .
وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى : (ولسليمان الريح عاصفةً تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها..) الأنبياء .
وفي قصة سبأ يقول سبحانه : (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً ) سبأ . وهي قرى بيت المقدس كما روي عن ابن عباس .
ووصف القرآن أرضها بالرَّبوة ، وهي الأرض ذات الخصوبة وهي أحسن ما يكون فيه النبات , وماءها بالمعين الجاري. قال تعالى : ( وجلعنا ابنَ مريم وأمّه آيةً وآويناهما إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ) . المؤمنون .
قال الضحاك وقتادة: وهو بيت المقدس ، قال ابن كثير: وهو الأظهر” .
وهي الأرض المقدسة ، قال تعالى على لسان موسى عليه السلام : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم ) المائدة : 21.
9- ومن فضائله : أن أرضه هي أرض المحشر والمنشر :
فعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؟ قال : ” أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ … ” . رواه ابن ماجة (1407) ، وصححه الألباني رحمه الله تخريج أحاديث فضائل الشام – رقم (4)
بل قد ثبت في الحديث الصحيح أن الحشر سيكون إلى الشام فعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الشام أرض المحشر والمنشر ) رواه أحمد .
قال المناوي في فتح القدير : ” أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها ، وخصت بذلك لأنها الأرض التي قال الله فيها : ( باركنا فيها للعالمين ) وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر ” انتهى . فيض القدير للمناوي – م / 4 ، ص / 171 .
وجاء في حديث آخر صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه : أَنه سأَلَ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن الصلاةِ في بيتِ المقدسِ أفضلُ ، أو في مسجدِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال : صلاةٌ في مسجدي هذا، أفضلُ من أربعِ صلواتٍ فيه، ولنعمَ المصلى ، هو أَرضُ المحشرِ، والمنشر، وليأتين على الناسِ زمانٌ، ولَقِيدُ سوطِ ـ أو قال: قوسِ ـ الرجلِ حيث يَرى منه بيتَ المقدسِ؛ خيرٌ له، أو أَحبُّ إليه من الدنيا جميعًا .
صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
* موقف المسلم اليوم مما يجرى في المسجد الأقصى :
وبعد : فإنه لا يخفى على المسلم ما يعانيه المسلمون اليوم في فلسطين من آلام وجراح ، وقتل واعتداء وتشريد ، من قبل اليهود المعتدين الغاصبين ، وانتهاكهم لحرمته ، واعتدائهم على قدسيته ومكانته ، وارتكابهم فيه أنواعاً كثيرة من التعديات والإجرام داخله ، وعلى أهله المقيمين فيه وحوله .
مما يوجب أنْ نكثر لهم الدعاء ، بأنْ يجبر الله ضعفهم ، ويقوي شوكتهم ، وأنْ يرد كيد المعتدين في نُحورهم ، وأنْ يكف بأس الذين كفروا ، والله أشدُّ بأساً ، وأشد تنكيلا ، وأن يطهِّر المسجد الأقصى من أيدي الظلمة الكفرة المعتدين ، والصهايتة الغاصبين ، إنه سميع مجيب .
ولا يخفى أيضاً حاجة المسلمين في فلسطين وضرورتهم إلى العون والمساعدة ، فمن الواجب علينا المسارعة إلى نجدتهم ، ومدِّ يد العون لهم ، والوقوف معهم في محنتهم وابتلائهم ، حتى يتمكّنوا من مقاومة عدوهم الذي المتسلط الذي يملك العدة والعتاد ، والله جل وعلا يثيب المؤمن على ما يقدِّمه لإخوانه المحتاجين ، ثواباً عاجلاً ، وثواباً أخروياً يجد جزاءه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ، قال الله تعالى ( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ) المزمل :20 .
وقال تعالى : ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ : 39.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ “. رواه مسلم .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” … وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ” متفق عليه .
وفي لفظ : ” والله في عَونِ العبد ، ما كان العبد في عون أخيه ” .
فلا تنسوا أيها المسلمون إخوانكم ، وجُودوا بما أعطاكم الله ، واعْطفوا عليهم ، يُبارك الله لكم في مالكم ، ويُخلفْ عليكم بخير ، ويضاعف لكم الأجر والثواب ، وارحموا تُرحموا ، والراحمون يرحمهم الرحمن .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ونجّ المستضعفين من المؤمنين ، وكنْ لهم ولياً ونصيراً ، فنعم المُولى أنت ونعم النصير .