حكم النرد
حكم النرد
السؤال : ما حكم اللعب بالنرد ( الزهرة ) ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فالنرد ويسمى بالزهر ، وهو المكعب الذي يُرمَى به , ويُلعب في بعض البلدان بلعبة الطاولة ، وقد انبنت عليها ألعاب كثيرة حديثة وجدت في عصرنا لم تعرف من قبل .
وقد وردت أحاديث صحيحة وصريحة تدل على تحريم اللعب به ، منها :
1- حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه : أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّه عليه وسلم قال : ” مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ ؛ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ “. رواه مسلم وأبو داوود وغيرهما.
2- حديث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم قَال : ” مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ ؛ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ “. رواه مالك في الموطأ وغيره .
4- وعن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه : أنه كان إذا وجدَ أحداً من أهله يلعب بالنَّرد ؛ ضربه وكسرها . رواه مالك .
قال يحيى : وسمعت مالك يقول : لا خير في الشطرنج ، وكرهها ، وسمعته يكره اللعب بها وبغيرها من الباطل ، ويتلو هذه الآية ( فماذا بعد الحق إلا الضلال ) يونس : 32.
وأما علة النهي : فليست مذكورة صراحة في الأحاديث ، والمؤمن والمؤمنة يستجيبان لله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام ، دون سؤال ولا اعتراض على الحكم ، ولا تردد ، ولا شك .
قال الله تعالى عن المؤمنين : ( وقالوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربنا وإليك المصير ) البقرة : 285.
وقال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ) الأحزاب : 36.
فيقول تعالى ذكره : لم يكن لمؤمنٍ بالله تعالى ورسوله، ولا مؤمنة ؛ إذا قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء ؛ أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم ، ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما فيعصوهما ، ومن يعص الله ورسوله فيما أمرا أو نهيا ( فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ) يقول : فقد جار عن قصد السبيل ، وسلك غير سبيل الهدى والرشاد . ( الطبري ) .
وقد ذهب جماهير العلماء ، من الأئمة الأربعة وغيرهم ؛ إلى تحريم اللعب بالنرد ، ولو كان بغير عوض .
ويسأل الكثير من الناس عن سبب التحريم ؟
ومعرفة علة تحريم اللعب بالنرد وإنْ كانت مسألة مهمة ، وتحريرها مفيد جداً ؛ لكن لا يجوز أن يعلق المؤمن عمله بالنص ، واستجابته لربه عز وجل على ذلك .
مع ذلك ؛ فقد ذكر العلماء عدة علل للتحريم :
1- فقد قال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى في المنتقى شرح الموطأ مبينا علة التحريم : ” لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى غَالِبًا ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْمَيْسِرِ يُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهَا مِنْ عَمَلِ دِينٍ وَلَا دُنْيَا ، وَقَدْ عَلَّقَ الْبَارِي تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : ( إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) المائدة : 91 .
وقال أيضا : لِأَنَّ اللَّعِبَ بِهَا يُؤَدِّي إِلَى الْقِمَارِ أَوْ الْحَلِفِ كَاذِبًا وَتَرْكِ الصَّلَاةِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُؤَدِّي غَالِبًا إِلَى كَثِيرِها ، فَيَجِبُ حَسْمُ الْبَابِ . اهــ.
2- وكونها وسيلة وذريعة للقمار والميسر أو للصد عن ذكر الله تعالى ، علة ذكرها كثير من العلماء ، وممن اعتبر هذا علة شيخ الإسلام ابن تيمية فهو يقول : ” فهذا ” الميسر ” المقرون ” بالخمر ” إذا قدر أنَّ علة تحريمه أكل المال بالباطل ، وما في ذلك من حصول المفسدة وترك المنفعة ، ومن المعلوم أن هذه الملاعب تشتهيها النفوس ، وإذا قويت الرغبة فيها أدخل فيها العوض ، كما جرت به العادة ، وكان من حكم الشارع أن ينهى عما يدعو إلى ذلك لو لم يكن فيه مصلحة راجحة ، وهذا بخلاف المغالبات التي قد تنفع : مثل المسابقة والمصارعة ونحو ذلك ، فإن تلك فيها منفعة راجحة ، لتقوية الأبدان ، فلم ينه عنها لأجل ذلك ، ولم تجر عادة النفوس بالاكتساب بها ” . مجموع الفتاوى (32/ 226)
وقال ابن تيمية أيضاً ملخصا هذه المسألة : ” المغالبات ثلاثة أنواع :
فما كان معيناً على ما أمر الله به في قوله : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) الأنفال . جاز بجُعلٍ وبغير جعل .
وما كان مُفضيا إلى ما نهى الله عنه : كالنرد والشطرنج ؛ فمنهي عنه بجُعلٍ وبغير جعل .
وما قد يكون فيه منفعة بلا مضرة راجحة ؛ كالمسابقة والمصارعة ؛ جاز بلا جعل ” . مجموع الفتاوى (32/ 227).
3- وأيضا كونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة غالباً وتسبب العداوة والبغضاء .
وهذه العلة ذكرها ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم :
فقال ابن قدامة في سياق حكم الشطرنج : ” ولأنه لعبٌ يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة ، فأشبه اللعب بالنرد ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فإنّ ما في النرد من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة ؛ ومن إيقاع العداوة والبغضاء : هو في الشطرنج أكثر بلا ريب ، وهي تفعل في النفوس فعل حميا الكؤوس ، فتصد عقولهم وقلوبهم عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، أكثر مما يفعله بهم كثير من أنواع الخمور والحشيشة . وقليلها يدعو إلى كثيرها فتحريم النرد الخالية عن عوض مع إباحة الشطرنج ، مثل تحريم القطرة من خمر العنب ، وإباحة الغرفة من نبيذ الحنطة ” . مجموع الفتاوى (32/ 221).
وقال الإمام ابن القيم في سياق بيان تحريم النرد والشطرنج ولو بدون عوض : ” وسر المسألة وفقهها : أن الله سبحانه لما حرّم الميسر ؟ هل هو لأجل ما فيه من المخاطرة المتضمنة لأكل المال بالباطل ؟ فعلى هذا إذا خلا عن العوض لم يكن حراما ، فلهذا طرد من طرد ذلك هذا الأصل ، وقال : إذا خلا النرد والشطرنج عن العوض لم يكونا حراماً ، ولكن هذا القول خلاف النص والقياس كما سنذكره ، أو حرَّمه لما يشتمل عليه في نفسه من المفسدة وإنْ خلا عن العوض ، فتحريمه من جنس تحريم الخمر ، فإنه يوقع العداوة والبغضاء ، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، وأكل المال فيه عون وذريعة إلى الإقبال عليه ، واشتغال النفوس به ، … إلى قوله : وهذا المأخذ أصح نصا وقياسا ، وأصول الشريعة وتصرفاتها تشهد له بالاعتبار ” . الفروسية ( ص : 173) .
والله تعالى أعلم