أمهات المؤمنين
أمهات المؤمنين
السؤال : ما فائدة الحديث عن أمهات المؤمنين ، والعلم بحياتهن ؟
الجواب :
الحمدَ لله ، نَحمده ونسْتعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا ، ومنْ سيئات أعمالنا ، مَنْ يهده الله فلا مضلَّ له ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبدُه و رسولُه …
وبعد :
فقد اختار الله لرسوله ونبيه الكريم زوجاتٍ فضَّلَهن بالمناقب الجليَّة، والأخلاق الزكية، وطهَّرهن من الدَّنس ، وسلَّمَهن من خصلة ردية ، وكنَّ بحقٍّ مَدارسَ في التربية والعلم والتزكية ، ومَنارات مُضيئة تهدي إلى الإسلام ومبادئه وأحكامه وآدابه، واختصَّت كل واحدة منهنَّ بمزايا وخصائص ، لا توجد في نساء العالمين ، كيف لا وقد زكَّاهن الله في كتابه الكريم ، وسجَّل لهن هذا الفضل في قرآن يُتلى إلى يوم الدين .
قال سبحانه جلَّ شانُه: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ الأحزاب : 32- 33.
ومما فضلِهنَّ الله به ، وكرَمِهن وخصهن به ، أن الوحي المبارك كان يتنزَّل في بيوتهن في الليل والنهار ، وليس بعدَ ذلك الفضلِ شرفٌ ومنقبَة ، ومنزلة ومَرتَبة ؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ﴾ الأحزاب : 34.
وقد نقَلَت أمهاتُ المؤمنين ما كان يَجري في البيت النبوي ، من الهَدْي والسَّمْت إلى الأمة الإسلامية ؛ حيث كنَّ يرَين أعماله ويسمَعْن أقوالَه ، ويُلاحِظْن تصرفاته، ثم يَروِين للأمة أحاديثه وأقواله وتقريراته .
ولقد بيَّن القرآن الكريم أن لأمَّهات المؤمنين فضائلَ ومناقبَ شريفة ، لا توجد في بقية النساء ؛ فمن تلك الفضائل :
• أنَّهن لهن الأمومة على جميع المؤمنين والمؤمنات ، معَ ما لهن مِن شرَف الصُّحبة والمعيَّةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا مَن رفض هذه الأمومة مِن الكافرين ؛ قال تعالى موضِّحًا ذلك الحُكْم بأتمٍّ وضوح ، وأبلَغِ فَصاحة وبيان ، وأقوى حجةٍ وبرهان : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ الأحزاب: 6.
ومِن تلك الفضائل العليَّة : أنَّهن اختَرْن الله ورسولَه والدار الآخرة ، على زينة الدنيا ومَتاعها ، لما خيَّرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآثرن الصبر على الجوع ، والعيش على ما تيَسَّر مِن زادٍ قليل ، ومتاع زهيد مِن كسوةٍ وبيتٍ وغيره ، كما ذكر الله ذلك فقال : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب: 28، 29.
فالحديث إذن عن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وشخصياتهن ، وسيرتهن العطرة ؛ وفضلهن ومكانتهن في الإسلام ، فيه الكثير من الفوائد للأمة الإسلامية ، وللأسرة المسلمة خاصة ، والكثير من المواقف النافعة ، والأحداث والعبر التي تهدي سائر المسلمين للإيمان والعمل الصالح ، والأخلاق الحسنة الجميلة ، وقد قدمن مثالاً صادقاً على سلوك المرأة المسلمة الصالحة ، العالمة والعاملة ، والمجاهدة في سبيل الله ، والحافظة لبيتها وزوجها ، فوجب علينا التعرف عليهن ، وعلى حياتهن وفضلهن ، ومكانتهن في الإسلام بعد دخولهن بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد اهتدين بهديه صلى الله عليه وسلم ، ونهلن من ينابيع العلم النبوي ، والمعرفة بكتاب الله عز وجل ، فهن معلمات وقدوة لنساء البشرية جميعاً ، بنقل سُنة النبي صلى الله عليه وسلم الشريفة ، والتعريف بأحواله وأعماله وخلقه في بيته وبين أهله .
وكذا بيان حقوق أمهات المؤمنين الواجبة لهن ، على المسلمين والمسلمات .
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما نقرأ وندرس ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله وبارك على محمد وأزواجه وذريته وسلم تسليماً كثيراً .