حرمة القول في القرآن بالرأي ؟
السؤال : ما هي صحة حديث : ” مَنْ قَالَ فِي القُرآنِ بِرأيِهِ ، فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ” ؟.
الجواب : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه .
وبعد :
فالحديث صحيح بطرقه .
فالطريق الأول : أخرجه النسائي في ” فضائل القرآن ” ( 109/ 110 ) ، والترمذي (2951) ، وأحمد في ( 2069 ، 2429 ، 2976 ، 3025 ) ، والطبري في تفسيره (1/ ص 71، 72) ، والطحاوي في ” المشكل ” ( 1/ 167- 16) ، والطبراني في الكبير (11/ 12392) ، والخطيب في ” الفقه والمتفقه ” ( 1/ 57) ، والبغوي في شرح السنة ( 1/257-258) وفي ” تفسيره ” ( 1/34- 35) والبيهقي في الشعب (2275-2276) من طرق عن عبد الأعلى بن عامر الثَّعلبي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً … فذكره .
قال الترمذي : هذا حديث حسن . وكذا قال البغوي .
وفيه : عبد الأعلى الثعلبي ؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : ضعيف الحديث .
وقال أبو زُرعة : ضعيف الحديث ، ربما رفع الحديث وربما وقفه .
وقال النَّسَائِيّ : لَيْسَ بالقوي ويكتب حديثه .
وقال الدارقطني : يعتبر به .
وقال الحافظ بن حجر في التقريب : صدوق يهم .
فهو حسن الحديث عند بعض العلماء ؛ ومع ضعفه يستشهد به .
وقد أورد الشيخ الألباني الحديث في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1783).
ثم أشار الشيخ رحمه الله ؛ إلى أنه لم يجد للحديث شاهداً .
لكن للحديث شاهد يصح به – والحمد لله رب العالمين – فقد رواه ابن حبان في كتابه الثقات (13913) عن عبد الله بن شيبة الصَّغاني عن أبى عاصم النبيل ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” مَن قال في القرآن برأيه ؛ فليتبّوأ مقعده من النّار ” .
قلت : وهذا إسنادٌ رجاله ثقاتٌ معروفون ؛ غير عبد الله بن شيبة الصغاني ؛ فقد وثقه ابن حبان ؛ وتوثيقه هنا من التوثيق المقبول ؛ لأنه عرف عبد الله بن شيبة الصغاني ؛ لكونه شيخ شيخه محمد بن المنذر ؛ فهو في هذه الحالة إنما يوثقه على معرفة منه به ، أو بواسطة شيوخه كما هو ظاهر .
وإنما يُردُّ توثيقه إذا وثق مجهولا عند غيره ، أو أنه لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان ، ففي هذه الحالة يتوقف عن قبول توثيقه ، وإلا فهو في كثير من الأحيان يوثق شيوخا له يعرفهم مباشرة ، أو شيخا من شيوخهم .
انظر كلام الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (6/667).
ولا يضر عنعنة ابن جريج عن عطاء ؛ فقد ثبت عن ابن جريج انه قال : ” إذا قلت : قال عطاء ؛ فأنا سمعته منه وإن لم أقل : سمعت ” .
وللحديث طريق ثالثة : فقد رواه ابن جرير الطبري ( 1 / 72 ) قال حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن ليث عن بكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ” من تكلَّم في القرآن برأيه ؛ فليتبوأ مقعدَه من النار “.
وفيه : ابن حميد ؛ وهو محمد بن حميد بن حيان ؛ وهو ضعيف .
وفيه أيضاً : ليث وهو ابن أبي سليم ؛ صدوق لكنه اختلط ؛ فمثله يستشهد به .
فبالجملة فانّ الحديث ثابتٌ لا شك في ذلك ؛ بمجموع طرقه الثلاثة ؛ وكونه رُوي موقوفاً ؛ عند ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 512) عن وكيع عن عبد الأعلى فوقفه ؛ لا يضره ذلك ؛ لأنه على فرض كونه موقوفا ؛ فهو مما لا يقال بالرأي ؛ فهو في حُكم المرفوع ؛ ولله الحمد والمنة .
– وللحديث شاهد : من حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ” من قال في القرآن برأيه فأصاب ؛ فقد أخطأ ” .
رواه أبو داود في العلم (3652) والترمذي في تفسير القرآن (2952) والنسائي في الكبرى (8086) وابن جرير في تفسيره ( 1/73) والبغوي في شرح السنة (120) وأبو يعلى (1520) والطبراني في الكبير (1672) وفي الأوسط (5101) والبيهقي في الشعب (2277) عن سهيل أخي حزم حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب رضي الله عنه به .
وإسناده ضعيف ؛ لضعف سهيل ، وهو أخو حزم بن أبي حزم القُطعي البصري .
والمقصود من الحديث : التحذير من تفسير القرآن بغير علم ؛ وترهيب لبعض المتعالمين وغيرهم ؛ من التسرع بتفسير كتاب الله تعالى بغير معرفة بأقوال أهل التفسير ؛ مما كتب ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ؛ في كتب التفسير المعتمدة .
قال الإمام ابن جرير رحمه الله تعليقاً على الحديث : ” يعني أخطأ في فعله بقيله في رأيه ؛ وإن وافق قيلُه ذلك عين الصواب عند الله ؛ لأن قيله فيه برأيه ؛ ليس بقيل عالم أنّ الذي قال فيه من قولٍ حقٌ وصواب ؛ فهو قائل على الله ما لا يعلم ؛ آثمٌ بفعله ما قد نُهي عنه ؛ وحظر عليه “.
– وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” فمنْ قال في القرآن برأيه ، فقد تكلّف ما لا علم له به ، وسلك غير ما أُمِر به ، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر ؛ لكان قد أخطأ ، لأنه لم يأتِ الأمر من بابه ، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار ، وإنْ وافق حُكمه الصواب “. مجموع الفتاوى (13/371) .
والأصل في تفسير القرآن أنْ يفسر بالقرآن ، ثم بالحديث النبوي ، ثم بأقوال الصحابة ، وإنْ لم يجد في تفسير الصحابة ، فبأقوال أئمة التفسير من التابعين ؛ كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء وأبو العالية ومسروق وغيرهم ، فمن خالف هذه الأصول فهو مخطئ وإنْ أصاب ، وليس من التفسير بالرأي المجرد ما كان جارياً على قوانين العلوم العربية ، والقواعد الأصلية والفرعية .
والله تعالى أعلم