مخالفات العيد ومنكراته
الحمد لله ؛ والصلاة والسلام على رسول الله ؛ وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ؛ وبعد :
فالعيد شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام ، وله أحْكام شرعية تتعلق به ، نصّت عليها الآيات والأحاديث النبوية الشريفة ، وتناولها العلماء والفقهاء بالشرح والبيان .
ويجب على كل مسلم أنْ يعلم : أنَّ الأعياد في الإسلام ثلاثة فقط ، وهي: عيد الفطر ويأتي عقب انقضاء صوم شهر رمضان ، وعيد الأضحى في ختام عشر ذي الحجة ، وهذان العيدان يتكرَّران كل عام ، وهناك عيد ثالث يأتي في ختام كل أسبوع ؛ وهو يوم الجمعة .
وليس في الإسلام عيدٌ بمناسبة ذكرى الهجرة ؛ ولا الإسراء والمعراج ؛ ولا ذكرى غزوة بدر الكبرى ، ولا غزوة الفتح ، ولا غيرها من الغزوات العظيمة التي انتصَر فيها المسلمون ؛ فكل ما سوى هذه الأعيادِ الثلاثة – الفطر والأضحى والجمعة – فهو بدعة في الدين ، ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا شرعها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ولا يشرع الاحتفال بها .
حكمة مشروعية العيدين :
قد شرع الله تعالى العيدين لِحكم جليلة سامية ، ومصالح جليلة ؛ فعيد الفطر ؛ فإن الناس أدَّوْا فريضة من فرائض الإسلام وهي الصيام ، فجعل لهم الله عز وجل يومَ عيد يفرحون فيه ، ويفعلون من السرور واللعب المباح ما يكون فيه إظهارٌ لهذا العيد ، وشكرٌ لله عز وجل على هذه النعمة ، فيفرحون لأنهم تخلصوا بالصوم من الذنوب والمعاصي التي ارتكبوها ؛ لأنّ من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه ؛ ولذا جعل الله تعالى عيد الفطر ليَفرح المسلم بنعمة مغفرة الذنوب ؛ ورفعِ الدرجات ؛ وزيادة الحسنات بعد هذا الموسم من الطاعات ؛ والعتق من النار .
وأما بالنسبة لعيد الأضحى فإنه يأتي بعد عشرِ ذي الحجة ؛ التي يسنُّ فيها للإنسان الإكثارُ من الطاعات وذِكرِ الله تعالى ، وفيها يوم عرفة الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفِّر ذنوب سنتين ، وأما بالنّسبة للحُجّاج الواقفين على جبل عرفة فإنَّ الله يطَّلع عليهم في موقفهم ؛ ويُشهِد الملائكة بأنه قد غفَر للمخلصين منهم ذنوبهم ، فكان يوم عيد الأضحى الذي يلي يوم عرفة ؛ يوم عيد للمسلمين يفرحون فيه بمغفرة الله تعالى لذنوبهم ؛ ويشكرونه على هذه النعمة العظيمة .
وما فرح أحدٌ بغير الله ؛ إلا بغفلته عن الله تعالى ، فالغافل يفرح بلهْوه وهواه ، والعاقل يفرح بمولاه .
فمن الأقوال لسلفنا الكرام الذين بهم رُفعت راية الإسلام ؛ وقويت شوكة الإيمان ؛ قول بعضهم :
ليس العيد لمَن لبس الجديد ، ولكن العيد لمن اتّقى وخاف يوم الوعيد ؛ وليس العيد لمن تجمل باللباس والمركوب ، إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب .
وقال الحسن البصري رحمه الله : كل يوم لا يُعْصى الله فيه ؛ فهو عيد ، وكل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه ؛ وذكره وشكره ؛ فهو له عيد .
نحن لا نقول هذا الكلام تهويناً ليوم العيد ، أو أنّ المسلم يبقى وحيداً حزيناً ليوم العيد ! لا ؛ ولكننا نريد أن يجمع الناس بين الخوف والرجاء ؛ وبين الفرح والسرور وخوف لقاء الله ؛ حتى لا تطغى الفرحة والسرور ؛ فيستغل يوم العيد في الأمر المحظور ؛ والممنوع شرعاً ، أو تلك الأمور التي هي من المنكرات التي حذّر منها ديننا الحنيف ، والتي سنذكرها باختصار هنا ؛ تبرئة للذمة بتبليغ ديننا ، وحُرمة كتمانه ، وحتى لا يبقى للناس على الله حُجة .
فمن هذه الأخطاء والمخالفات :
1- اعتقاد البعض مشروعية إحْياء ليلة العيد ..
فيعتقد بعض الناس مشروعية إحياء ليلة العيد بالعبادة ، وهذا من البدع المُحدثة التي لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما روي في ذلك حديث ضعيف ؛ وهو : ” مَنْ أحيا ليلةَ الفطر وليلة الأضحى ؛ لم يَمت قلبه يوم تموت القلوب ” . أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط ؛ وهذا حديث لا يصح ، بل موضوع ؛ وله طريق آخر عند ابن ماجة ضعيف جداً . انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (520 ، 521).
فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بالقيام من بين سائر الليالي ، بخلاف من كان عادته القيام في غيرها ؛ فلا حرج أنْ يقوم ليلة العيد .
2- تضييع الجَماعة والنوم عن الصلوات في الأعياد :
إنَّ مما يؤسف له : أنْ ترى بعض المسلمين وقد أضاع صلاته في أيام العيد ، وترك الجماعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر : تركَ الصلاة ” . رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” العَهْد الذي بيننا وبينهم الصَّلاة ؛ فمَنْ تركها فقد كَفَر ” . رواه الترمذي (2621 ) والنسائي ( 463 ) وصححه الألباني .
وقال : ” إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ ؛ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ؛ وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ؛ ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ؛ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ ؛ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ ؛ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِم بُيُوتَهُم بِالنَّار ” . رواه مسلم (651 ) .
3- زيارة المقابر في يومي العيدين :
وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره ؛ من الفرح والسرور ، ومخالفته لهديه صلى الله عليه وسلم وفعل السلف ، فإنه يدخل في عموم قوله : ” مَنْ أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه ؛ فهو ردٌّ ” . متفق عليه .
وعموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيداً ، إذْ إنَّ قصدها في أوقات معينة ، ومواسم معروفة تكرر ؛ من معاني اتخاذها عيداً ، كما ذكر أهل العلم . انظر ” أحكام الجنائز وبدعها ” للعلامة الألباني .
4- اختلاط النساء بالرجال في مُصلى العيد ؛ وكذا في المجالس العائلية ؛ والزيارات الأُسرية وغيرها ، ومزاحمتهن الرجال فيها ؛ أو الدخول على النساء لأجل التهنئة بالعيد ؟ وفي ذلك كله فتنةٌ عظيمة ؛ وخطر كبير ، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : عن عقبة بن عامر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إيّاكم والدخول على النِّساء ” ، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : ” الحَمُو الموت “.
وفي هذا الحديث فوائد منها :
1- المنع من الدخول على النساء ؛ لما فيه من الفتنة على الداخل والمدخول عليها.
2- تأكيد المنع بالنسبة للحَمُو ، قال النووي في شرح مسلم : فمعناه أنّ الخوف منه أكثر من غيره ، والشر يتوقع منه والفتنة أكثر ، لتمكّنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أنْ ينكر عليه ، بخلاف الأجنبي ، والمراد بالحمو هنا : أقارب الزوج ؛ غير أبائه وأبنائه . انتهى .
وفي هذا الحديث : قاعدة عظيمة يبنى عليها كثير من الأحكام ، وهي قاعدة : سدّ الذرائع إلى الفساد؛ فقد حرّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الدخول على النساء ؛ لسد سُبل وذرائع الفتنة ؛ والوقوع في المحرمات .
والواجب تحذير النساء والرجال من ذلك ، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك ما أمكن ، كما ينبغي على الرجال والشباب ؛ عدم الانصراف من المصلى أو المسجد إلا بعد تمام انصرافهن ؛ إذا كان الطريق واحدا .
5- من المنكرات في العيد : خروج بعض النساء مُتعطّرات مُتجملات سافرات ؛ بحجة التزين في العيد :
وهذا مما عمَّت به البلوى ، وتهاون به كثيرٌ من الناس ؛ وأولياء الأمور خاصة ؛ والله المستعان ، حتى إنّ بعض النساء – هداهن الله – إذا خرجن للمساجد للتروايح أو صلاة العيد ؛ أو غير ذلك ؛ فإنها تتجمل بأبهى الثياب ، وأجمل الأطياب ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ” أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ ؛ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا ؛ فَهِيَ زَانِيَةٌ ” . رواه النسائي (5126 ) والترمذي ( 2786 ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ( 2019 ) .
وقال رسول صلى الله عليه وسلم : ” لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله ، وليخرجن تفلات “. رواه أحمد وأبو داود . ومعنى ” تفلات ” أي : غير متطيّبات .
– وفي التبرج والتكشف ترهيب عظيم : وهو ما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ : ” صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ ؛ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ؛ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ؛ مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ ؛ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ؛ لا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ؛ وَلا يَجِدْنَ رِيحَهَا ؛ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ” . رواه مسلم ( 2128) .
ومعنى ” كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ” أي : يلبسن ثياباً غير ساترة ؛ إما شفافة أو قصيرة .
وأَمَّا ” مَائِلات مُمِيلات ” فَقِيلَ : زَائِغَات عَن طَاعَة اللَّه تَعَالَى , وما يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا , ومُمِيلَات : أي يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ . وقِيل : مائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ , مُمِيلات أَكْتَافهنَّ . وقِيل : مائِلات إِلَى الرِّجَال ؛ مُمِيلات لَهُم بِما يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وغَيْرهَا .
فعلى أولياء النِّساء : أن يتقوا الله فيمن تحت أيديهم ، وأنْ يقوموا بما أوجب الله عليهم من القوامة لأنّ الرجال قوّاموان على النساء ؛ بما فضل الله بعضهم على بعض ؛ كما قال ربُّنا سبحانه ؛ فعليهم أنْ يوجهوهن ويعظوهن ؛ ويأخذوا بأيديهن إلى ما فيه نجاتهن ، وسلامتهن في الدنيا والآخرة من الشرور والآثام والنار ؛ بالابتعاد عما حرّم الله ، والترغيب فيما يقرب إلى الله عز وجل ورحمته والجنة .
- من المظاهر التي تكثر في الأعياد : الإسْراف والتبذير في الأكل والشرب واللبس والتزين :
وقد حرّم الله تعالى الإسراف ؛ فقال رب العزة سبحانه : ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ الأعراف : 31 .
ووصف عباده المؤمنين الأخيار: ﴿ والَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ الفرقان: 67 ، هكذا ينبغي أنْ يكون المؤمن متوسطاً مُتزنًا ؛ ليس عنده إفراطٌ ولا تفريط ، فلا يصح من الإنسان أن يكون بخيلاً مُمسكًا عن الإنفاق ، ولا مسرفا مُبذراً .
– وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” كلوا واشربوا والبسوا وتصدَّقوا ، من غير مَخِيلة ولا سَرَف ؛ فإن الله جل وعلا يحب أنْ يرى نعمته على عبده ” . رواه الإمام أحمد في المسند .
وليس التنصيص على الأربعة في الحديث ؛ يُجيز الإسراف والمخيلة في غيرها ؛ كالمراكب والبيوت ، والأثاث والحفلات ، والأسفار ونحوها ، فكلها مما يمنع المسلم من الإسراف والمخيلة فيها .
أما الإسْراف : فهو تجاوز الحدّ في الإنفاق .
وأما المخيلة : فهي من الخُيلاء ، وهي التكبّر بسبب ما يراه الإنسان مختصًّا به دون غيره ، وهذا يُؤدي إلى الفخر ، والمباهاة في الأشياء التي تخص الإنسان ؛ ومحاولة إظهاره للناس ؛ كالمال والجاه ، والمراكب والملابس والمنازل ، والحفلات ونحوها ؛ فيخشى على صاحبه من مقت الله تعالى ، وسلبه ما أنعم به عليه ، وقد دل على ذلك القرآن ؛ فقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) النساء: 36 .
وفي الحديث : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” بينا رجلٌ فيمن كان قبلكم ؛ خرج في بردين أخضرين يختالُ فيهما ، أمر الله الأرضَ فأخذته ، وإنه ليتجلّجل فيها إلى يوم القيامة ” . رواه أحمد .
اللهم إنّا نعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحوّل عافيتك ، وفجأة نقمتك ، وجميع سخطك .
فالممنوع في كلِّ ما ينفقه ويستهلكه الإنسان ؛ شيئان : الإسْراف والمَخِيلة .
واعلم : أنّ من أعظم الإسراف : إنفاق الأموال فيما حرّم الله تعالى من المحرّمات ؛ كالخمر والميسر ؛ والفواحش والمنكرات .
7- الاسْتماع إلى الغناء المحرم :
إنَّ من المنكرات التي عمّت وطمت في هذا الزمن : الموسيقى والغناء الماجن والطرب ، واستقبال العيد بالغناء والرقص والمنكرات ، بدعوى إظهار الفرح والسرور ؛ وأنه يوم عيد ؟! وقد انتشرت انتشاراً كبيراً ؛ وتهاون الناس في أمرها وكأنها من المباحات ، فهي تُعرض في التلفاز والإذاعات ؛ والسيارات والبيوت والأسواق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟! بل إن الهواتف والجوالات لم تسلم من هذا الشر والمنكر ، فها هي الشركات تتنافس في وضع أحدث النغمات الموسيقية في الجوال ، فوصلت الموسيقى والغناء عن طريقها إلى المساجد والمصلين في صلواتهم والعياذ بالله .. وهذا من البلاء العظيم ؛ والشر الجسيم ؛ أن تسمع أصوات الموسيقى في بيوت الله ؟!
وهذا مصداق قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) سورة لقمان : 6 . قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء .
وقال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود عن قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ ) ، فقال : والله الذي لا إله غيره ؛ هو الغناء ؛ يرددها ثلاث مرات .
وقال مجاهد رحمه الله : اللهو : الطبل . (تفسير الطبري) .
وقال الحسن البصري رحمه الله : نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير . ( تفسير ابن كثير) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ” ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث ؛ بأنه الغناء ؛ فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود ، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء..” . إغاثة اللهفان لابن القيم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” ليَكونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِر والحرير ؛ والخمر والمعازف “. رواه البخاري وغيره .
والحر هو الفرج الحرام يعني الزنا ، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب .
فقرن النبي صلى الله عليه وسلم المعازف ؛ بالخمر والزنا المقطوع بحرمتها في الشرع .
– وقال صلى الله عليه وسلم : ” صُوتان ملعُونان ، صوتُ مزمارٍ عند نعمة ، وصوت ويل عند مصيبة “. رواه البزار والضياء ؛ وإسناده حسن ، انظر السلسلة الصحيحة ( 427) .
– وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ليكوننَّ في هذه الأمة خَسْفٌ ، وقذفٌ ، ومَسْخٌ ، وذلك إذا شربوا الخُمور ، واتخذوا القَيْنات ، وضَربوا بالمعازف ” . رواه أحمد والترمذي . وهو صحيح بمجموع طرقه ، السلسلة الصحيحة (2203).
– وعن نافع أنه قال : سمع ابن عمر رضي الله عنه مزماراً ، قال : فوضع أصبعيه على أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئا ؟ قال : فقلت : لا ؛ قال : فرفع أصبعيه من أذنيه ، وقال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع مثل هذا ؛ فصنع مثل هذا ” . رواه أبو داود ؛ وقد صححه الألباني في صحيح أبي داوود (4116).
8- التَّشبه بالكفار والغربيين في الملابس وقص الشعر :
فقد جاء التشريع بتحريم تشبه المسلمين بالكفار ، سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم الخاصة بهم أو شعرهم .
وهذه قاعدة عظيمة في الشريعة الإسلامية ، قد خرج عنها اليوم – مع الأسف – كثير من المسلمين ، جهلاً بدينهم ، أو اتباعاً لأهوائهم ، أو انجرافاً مع العادات والتقاليد المخالفة للشرع .
وقد وردت الأدلة الكثيرة في ذلك ؛ أما أدلة القرآن الكريم ، فمنها :
- قول الله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) الجاثية : 16-18 .
فقد جعل الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر ، شرعها له ، وأمره باتباعها ، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون ، وقد دخل في ( الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) كل من خالف شريعته ، و( أهواؤهم ) هو ما يهوونه ، وما هم عليه من هديهم الظاهر الذي هو من دينهم الباطل ؛ وموافقتهم فيه ؛ اتباعٌ لما يهوونه ، ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض أمورهم ، ويُسرون به ، ويودُّون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك .
– قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) البقرة : 104 .
قال ابن كثير رحمه الله : ” نهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم ، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص ، عليهم لعائن الله ، فإذا أرادوا أن يقولوا : اسْمع لنا قالوا : راعنا ، ويورون بالرعونة ، كما قال تعالى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) النساء : 46 .
– وأما الأدلة من السُّنة النبوية على هذه القاعدة ، فهي كثيرة جداً ، منها :
- فعَن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَال رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ : ” مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ ” . رواه أبو داود (4031) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” وهذا الحديث أقل أحواله : أنه يقتضي تحريم التشبه بهم ، وإنْ كان ظاهره يقتضي كفرَ المتشبِّه بهم ، كما في قوله : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) ” انتهى .
- وعن شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَال : قَال رسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ : ” خَالِفُوا الْيَهُودَ ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ ؛ وَلَا خِفَافِهِمْ “. رواه أبو داود (652) وصححه الألباني .
وهذا يدل على أنَّ مخالفة اليهود أمرٌ مقصود في الشرع .
- وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : ” إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ؛ فَلَا تَلْبَسْهَا ” . رواه مسلم (2077) .
فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب ؛ بأنها من لباس الكفار ؛ وهذا يدلُّ على حُرمة التشبه بهم في لباسهم .
- وعن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ : ” خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَوْفُوا اللِّحَى ” . رواه مسلم (259) .
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً ، ثم ذكر من ذلك : قصُّ الشوارب ، وإعفاء اللحى .
9- التزيّن بحلق اللحية ليلة العيد : وهو من المحرمات التي اسْتهان بها كثيرُ من المسلمين ؛ وتابعوا فيه الأمم الكافرة كما سبق بيانه ؛ وصار سُنةً جارية عند الكثير وللأسف الشديد .
ومرّ معنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : ” خَالفوا المشركين ؛ وفِّرُوا اللحى ؛ وأحْفوا الشَّوارب ” . رواه البخاري .
وفيه أحاديث أخرى بهذا المعنى ، وإعفاء اللحية تركها على حالها ، وتوفيرها إبقاءها وافرة من دون أنْ تحلق أو تنتف أو يقص منها شيء ، وحكى الحافظ ابن حزم الإجماع على أنّ قص الشارب وإعفاء اللحية فرض ؛ واستدل بجملة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق .
وبحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” مَنْ لم يأخذ من شاربه ؛ فليس منّا ” . صححه الترمذي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد دلّ الكتاب والسنة والإجماع على الأمر بمخالفة الكفار ؛ والنهي عن مشابهتهم في الجملة ؛ لأنّ مشابهتهم في الظاهر سبباً لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة ؛ بل وفي نفس الاعتقادات ، فهي تُورث محبة وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ليس منّا من تشبه بغيرنا ؛ لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ” . الحديث ، وفي لفظ : ” من تشبه بقومٍ فهو منهم ” . رواه الإمام أحمد .
10- مصافحة النساء الأجنبيات : فعن معقل بن يسار رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لأنْ يُطْعن في رأْس أحدكم بمخيطٍ من حديدٍ ؛ خيرٌ له من أنْ يمسّ امرأة لا تحلّ له ” . رواه الطبراني والبيهقي .
- صيام يوم العيدين : وهو مما يحرم ؛ سواء الفطر أو الأضحى ؛ لأنه يوم أكل وشرب وذكر لله ، وكذا يحرم صيام أيام التشريق ؛ وهي يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة ، إلا للحاج الذي عليه كفارة في الحج ؛ أو لم يجد الهدي .
لما ثبت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ : يَوْمِ الْأَضْحَى ، وَيَوْمِ الْفِطْرِ ” . رواه مسلم .
– وعَن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنه : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ، يَوْمِ الْفِطْرِ، وَيَوْمِ النَّحْرِ” . رواه البخاري (1197 ) ومسلم كِتَاب الصِّيَامِ ، بَاب النَّهْيِ عَنْ صَومِ يَومِ الْفِطْرِ ويومِ الْأَضحَى (1138) .
– وَعَنْ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ : شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ النَّاسَ ؛ فَقَالَ: ” إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِهِمَا : يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ ؛ والآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ ” . رواه البخاري كِتَاب الصَّوْمِ ( 1854 ) ومسلم (2727) .
قال النووي رَحِمَهُ اللَّه : وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء : عَلَى تَحْرِيم صَوْم هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ ؛ بِكُلِّ حَال ، سَوَاء صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ ؛ أَو تَطَوُّعٍ ؛ أَو كَفَّارَةٍ ؛ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ . شرح النووي على مسلم (4/ 128) .
12- ومن المنكرات : إشعال النار ليلة العيد ؛ لأنه من شعار المجوس ؛ ومن فعلهم أيام أعيادهم وغيرها .
يحتفل عباد الصّليب بإشعال النيران على قمم الجبال ، ويجتمعون للصلّاة
وإشعال النار على قمم الجبال تقليد قديم يعود إلى سنة 326 م ، يوم قرّرت القدّيسة هيلانة البحث عن خشبة الصليب وإعادتها إلى موضعها .
13- عدم تعاطف الأغنياء مع الفقراء والمساكين ؛ ونساينهم يوم العيد خاصة :
وأول ذلك : عدم أداء زكاة الفطر لهم ؛ فإن زكاة الفطر تسد حاجة الفقير ؛ وتغنيه عن ذل سؤال الآخرين ؛ لا سيما في يوم العيد ، فتكون طعمةٌ لهم ، وإدخالا للسرور عليهم ؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع ؛ غنيهم وفقيرهم .
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ” فَرضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ؛ طُهْرةً للصائم من الّلغو والرَّفث ، وطُعمة للمساكين…” . رواه النسائي .
وفيها مواساة الأغنياء للفقراء في ذلك اليوم ، فلا ينشغلون بشيء ويتفرّغون للاحتفال بهذه المناسبة ، حيث يعم الجميع الفرح والسرور والسعادة ، ويجتمعون على الإخاء في الله تعالى والمحبة .
مع ما في زكاة الفطر من تطهير للذنوب التي لحقت بالصائم بسبب الفحش واللغو ، فتعوض ما نقص من أجره ، كما أنّ فيها شكراً لفضل الله تعالى ونعمه ، ومنها : نعمة إكمال الصائمين صيامهم وقيامهم لشهر رمضان المبارك .
وأيضاً : البحث عن فقير أو محتاج وإعطائه مبلغاً من الصدقات ، ويمكن اصطحاب الأطفال والذهاب إلى المحتاجين ؛ ومنحهم الهدايا والنقود ؛ حتّى يعتاد الأطفال على العطاء والصدقة .
ومن ذلك : إخراج الملابس التي لا تحتاجها العائلة ؛ ومنحها للفقراء ، بشرط أن تكون هذه الملابس ما زالت صالحة لأنْ يرتديها الناس ، حيث يقول سبحانه وتعالى : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) آل عمران .
وكذلك يمكن اختيار أغراض منزلية ؛ لست بحاجة لها ؛ فتتصدق بها للمحتاجين .
نسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل ؛ إنه سميع الدعاء .
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين …