إدمان المُخدّرات وأضرارها وسُبل علاجها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه.
وبعد:
إدْمان المُخدِّرات، تلك الظّاهرة التي اسْتَفْحل أمْرها، وانْتشر خَطرها، وأصابت كثيراً مِنْ أبنائنا، وهو الجيل المُعْتمد عليه في المُسْتقبل.
إنّ التعدّي والعُنْف وإراقة الدماء، والاغتصابات الوحشية الجنْسية، كلها لها علاقة من قريب أو بعيد بالإدمان والمُخدرات.
أولا لا شك في تحريم تناول المخدرات ، من الحشيش والأفيون والكوكايين والمورفين وغير ذلك ، لوجوه عديدة ، منها :
1- أنها تغيّب العقل وتخامره، أي تغطيه، كالخمر تماماً، وما كان كذلك فهو حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كلُّ مُسْكرٍ خمر ، وكلّ مُسْكرٍ حرام، ومَن شرب الخمر في الدنيا فمات، وهو يُدْمنها لمْ يتبْ، لمْ يشْربها في الآخرة”. رواه مسلم (2003).
وعن أَبِي مُوسى قَال: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسلَّم أَنَا ومُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى اليَمَنِ، فقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّه، إِنَّ شَرَاباً يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا، يُقَالُ لَهُ المِزْرُ مِنْ الشَّعِيرِ، وشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنْ العَسَلِ، فَقَال: “كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ”. رواه البخاري (4087) ومسلم (1733).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبرِ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” ..والخَمْرُ ما خَامر العقل”.
ولا شك أنّ المُخدرات تخامر العقل وتغيبه .
– قال الحافظ ابن حجر: “واستُدل بمطلق قوله: “كل مُسْكرٍ حَرام” على تحريم ما يُسْكر ولو لم يكنْ شراباً، فيدخل في ذلك الحشيشة وغيرها، وقد جزم النووي وغيره بأنها مُسكرة، وجزم آخرون بأنّها مُخدّرة، وهو مكابرة؛ لأنها تحدث بالمشاهدة ما يحدث الخمر من الطرب والنشوة، والمداومة عليها والانهماك فيها.
وعلى تقدير تسليم أنّها ليست بمسكرة، فقد ثبت في أبي داود: “النَّهي عن كلِّ مُسْكر ومفتّر” والله أعلم”. “فتح الباري” (10/45).
– وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وكلّ ما يُغيّب العقل فإنّه حرام، وإنْ لم تحصل به نشوة ولا طرب، فإنَّ تغييب العقل حرامٌ بإجماع المسلمين.
وأمّا تعاطي البَنْج الذي لمْ يُسْكر، ولم يغيب العقل ففيه التعزير.
وأمّا المُحقّقُون من الفقهاء، فعلموا أنّها (أي الحَشيشة) مسكرة، وإنّما يتناولها الفجار، لما فيها من النَّشْوة والطّرب، فهي تُجامع الشّراب المُسْكر في ذلك، والخَمر توجب الحركة والخُصومة، وهذه تُوجب الفُتُور واللذة، وفيها مع ذلك من فَسَاد المزاج والعَقل، وفتح باب الشّهوة، وما توجبه منَ الدَّياثة: ممّا يَجْعلها مِنْ شرّ الشّراب المُسْكر، وإنّما حدثت في الناس بحدُوث التتار.
قال: وعلى مَنْ تناول القليل منْها والكثير حدّ الشُّرب: ثمانون سَوطا، أو أربعون، إذا كان مُسْلماً يعتقد تحريم المُسْكر”. “الفتاوى الكبرى” (3/423).
تعريف المُخدرات:
المخدّرات جمع مُخدّر، وهو مأخوذٌ مِنَ الخَدَر، وهو: الضّعفُ والكسل، والفُتُور والاسْترخاء، والخادر: الفاتر الكسْلان.
وهو كل مادةٍ يترتّب على تناولها إنْهاكٌ وخَدَر للجسم والحواس، وبالتالي فرقابة العقل عند المتناول تصبح أضعف بصورة تدريجية.
والخدر مِنَ الشراب والدواء: فتورٌ يَعْتري الشارب وضعف.
أنْواع المُخَدّرات:
هي ثلاثة أنواع:
1-الطبيعي: وهو ما وُجِد في الطّبيعة، سواء تمت زراعته، مثل القَات، والقنب الهندي، والكُوكا، أو ما كان برياً يُحصل عليه دون زراعة.
2-التّصنيعي: ويكون مِنْ أصلٍ نباتي، ولكنّه عُولج بطريقةٍ كيميائية، مثل الهيروين، والكودائين، والمُورفين.
3-التّخْليقي: كناية عنْ خَلْق المُخدّر، حيثُ تتمّ جميع مراحل صُنْعه بالمعامل منْ مَواد كيميائية، لا علاقةَ لها بالمخدّرات الطبيعية، مثل مهيجات الجهاز العصبي ومُنشّطاته.
لماذا يَتَعاطى الإنسان المُخدّر:
أولاً- ضعفُ التكوين الإيماني والعقائدي والقيمي: فلا شك أنّ السُّلوك والأخلاق، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيمان والمُعْتقد، فالضّعف العقائدي والقيمي للفَرْد والجماعة؛ يتبعه ضعفٌ في الوازع الدّيني، والأخْلاقي القيمي، ممّا له أثرٌ فعّال في الميل للشرّ، والإقبال على ما حرّم الله تعالى، ومنه المُسْكرات وتعاطي المُخدرات.
ومِن هاهنا يجب التركيز على تقوية التّكوين الديني والإيماني لدى الشباب والفتيات، منْ خلال عملية التنشئة الإيمانيّة، والإجتماعية والتربوية، في البيتِ والمدرسة والمسجد، ووسائل الإعلام، لمواجهة هذه المشكلة.
ثانياً- المشكلات الأسَرية التي تعيق دور الأسْرة في تربية أبنائها، وتنشئتهم تنشئةً صالحة سليمة، بعيدة عن الانحرافات.
لأنّ خلافات الأبوين، وما يلحق بها مِنْ أساليب القَسْوة والشدّة، والبغضاء والشّحناء، سيُؤدي لنُفورهم مِنَ المنزل ومن آبائهم وأُسَرهم، وصولاً إلى الشوارع والاسْتراحات، والممتلئة بما هبّ ودبّ من الناس، ومِنْ أشخاصٍ مهنتهم في الحياة: اقتناصُ الفُرص لبيع المُخدرات وترويجها.
ثالثاً- ضَعفُ الرقابة الأسَرية والإجتماعية، وغياب مَنْ يأمر بالمَعروف وينهى عن المُنْكر، مِنْ أهمّ الأسْباب المُؤديّة لتعاطي المُخدِّرات.
رابعاً- الوَفْرة الماديّة التي يعيشها المُراهق، قد تدفعه تجاه ما هو غير تقليدي وما هو جديد ومستحدث.
خامساً- مُحاكاة النماذج المُنْحرفة، المُتعاطية للمخدّرات، والمَوجودة في المحيط العائلي أو الاجتماعي.
سادسا- الاخْتلال الوظيفي أو الاجْتماعي للفرد، أو حرمانه مِنْ أنْ يقوم به، المُسبّب للبَطالة والفراغ، هو مِن العوامل التي تقف وراء الإدمان أحيانا.
ومن ها هنا نعلم أنّ المدمنين أنواع من الأشخاص، لا يجمعهم نمطٌ واحد، ولا تميزهم سِمة معينة، لكننا ما نجده عندهم باستمرار، هو أعْراض التوتر والقلق، والمُشْكلات والأزمات قبل الإدْمان، أو قبل السّعي وراء المزيد من المخدّر.
* أضْرار المُخدّرات :
الأضْرار الجِسْمانية المُتمثّلة في:
1- فقدان الشّهية للطّعام عند المُتعاطي، ممّا يُؤدّي للنّحافة والهزال، والضعف العام المصحوب باصفرار الوجه أو اسوداده.
2- قلة النّشاط والحيوية، مع احْمرار في العينين، واختلال في التوازن، والتآزر العصبي في الأذنين.
3- تهيج موضعي للأغشية المخاطية، والشعب الهوائية، والذي يؤدي في بعض حالاته لإلتهابات رئوية، تصل لحدّ التدرن الرئوي.
4- اضْطراب الجَهاز الهضمي، وتلف الكبد وتليّفه.
وعلى سبيل المثال الأفيون: يحلل خلايا الكبد ويحدث بها تليفاً.
5- إلتهاب المُخ، وتحطّم وتآكل ملايين الخَلايا العصبيّة المخيّة، وهذا يُؤدّي لفقدان الذّاكرة، والهلاوس السّمعيّة والبَصريّة والفِكرية.
6- تأثيره السّلبي على النّشاط الجنسي، وإنقاص إفرازات الغُدد الجنسية.
7- إحْداث عيوب خلقية في الأجنّة (إذا كانت الأمّ الحامل متعاطية).
* الأضْرار النّفسية:
1- اضْطرابُ الإدْراك الحسّي العام، وخاصّة ما تعلّق بالسّمع والبصر، بالإضافة إلى خَلل في إدْراك الزمن، بالإتجاه نحو الأبطأ، واختلال إدراك المسافات بالاتجاه نحو الأطْول، وكذلك في إدْراك الحَجم نحو التّضخيم.
2- اختلالٌ في التّفكير العام، وبالتالي فساد الحُكم على الأمُور والأشْياء.
3- تؤدّي المُخدّرات لآثارٍ نفسية كثيرة؛ مثل القلق والتّوتر المُسْتمر، والشعور بعدم الاستقرار، مع عصبية وحدة مزاج، مصحوب بإهمالٍ للنفس والمظهر، وعدم القُدرة على العمل والاستمرار به.
4- اضْطراب بالوُجْدان حيثُ ينقلب المُتعاطي منْ حالة المَرَح والنشوة والشّعور بالرّضا، إلى النّدم مع فتورٍ وإرْهاق مصحوبين بخُمول واكتئاب.
5- جُمود أو تبلّد بالإنْفعال، وهو تبلّد العاطفة حيثُ أنّ الشخص في هذه الحالة؛ لا يَسْتجيب ولا يُسْتثار بأيّ حدثٍ يمرّ عليه مهما كان؛ ساراً أو غير سار.
6- اضْطرابات ذِهنية حادّة، واختلاط في الذّهن في عدد من الحالات.
* أضْرار المُخدّرات على سير حياة الفَرْد نفْسه:
المُخدّرات تُؤدّي لنتائج سيئة على الفَرد، سواء بالنسبة لعمله أو دراسته، أو وضعه الاجْتماعي، وما يتعلّق بثقة الناس به، وربّما أدّى هذا إلى طَردِه مِنْ عمله.
أمّا إذا كان طالباً فسيؤثّر على مَسيرته العلميّة، وسيقُوده للفَشل الدراسي حتى، ولو كان مِنَ المتفوقين.
وعدمُ توافر المال، وإلحاحُ الجسم على تناول الجرعة، سيقُوده للاسْتدانة، بل وللسّرقة أو الأعمال المنْحرفة، وغير المشْروعة، المؤدية لبيع نفسه أو أسرته، وبالتالي مُجْتمعه ووطنه.
وكذلك سُوء العلاقة الزوجيّة والأُسرية، وهذا يدفع لتزايد احتمالات الطلاق، وانْحراف الأطفال بعد ذلك، وزيادة عدد الأحداث الجانحين والمشردين.
* وسَائل مكافحة المُخدّرات:
1- التَّوعية الإعلاميّة: بواسطة أولياء الأمُور، وخُطباء المساجد، والدعاة والمُرشدين، ووسائل الإعْلام المختلفة، بتوعية المُجتمع بالأضْرار الناتجة عن تعاطي المُخدّرات، وفَرْض الرّقابة على الأفلام والمُسْلسلات الهابطة التي تشجّع على الإدْمان.
2- كذلك إعْداد برامج خاصّة للتوعية، مأخوذ بعين الاعتبار المستوى التعليمي والخصائص الإجتماعية للأفراد ولأعْمارهم، لغرس القيم الإسلامية والإيمانية والإنسانية لدى الشباب، والتي تعتبر من أهم الجوانب المساعدة في تقليص حَجم هذه المشكلة.
3- إصْدارُ العُقوبات الرادعة للمُروّجين، للحدّ مِنْ تدفّق هذه السُّموم.
4- لا بدّ منْ إدْخال معلومات تتعلّق بالأضْرار الصحيّة والإجتماعية والإقتصادية، لإدمان المُخدرات، المناهج الدراسية.
5- توفير الأماكن الصّالحة لاسْتثمار أوقات الفراغ لدى الشباب والفتيات، بصورة صحيحة، مثل النّوادي الثقافيّة والرياضية، والأعمال الخيريّة، التي تستوعب الشباب، مع الاحتفاظ بموضُوع المراقبة والتوجيه.
وختاماً كلنا نعلم أنّ العمل الوقائي أكثر فعالية وتأثيراً..
ومن هنا كان التأكيد على المَثل القائل: درهم وقاية أفضل من قنطار علاج.