الشورى في الإسلام منهاج ونظام حياة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه
ومن اهتدى بهداه ،،،
وبعد :
الشورى في الإسلام طاعة لله تعالى ، واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وحق للأمة المسلمة ، وواجب على الحاكم ، وهي نظام سياسي إسلامي عظيم ، وحلقة وصل بين الحاكم ورجاله .
وقد ورد أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشاور أصحابه رضي الله عنهم في الأمور التي تنزل بالمسلمين ، ولا يكون فيها نص شرعي يجب اتباعه ، وإنما النظر والفكر والخبرة بالحياة والناس والتجارب والحس والمشاهدة .
فقد قال أنس رضي الله عنه : استشار رسول الله الناس في الأسارى يوم بدر ، فقال : ” إن الله قد أمكنكم منهم ” ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه رسول الله ، ثم عاد … فقام أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ، نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء … كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وذكره ابن كثير في تفسيره لآية (67) من الأنفال .
وكذلك استشار أصحابه للخروج لغزوة أحد ، كما في البخاري في كتاب الاعتصام ( 13 / 339 ) باب قول الله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) ( وشاورهم في الأمر) وأن المشاورة قبل العزم والتبيين ، لقوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) فإذا عزم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن لبشر التقدم على الله ورسوله .
وشاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم أحد في المقام والخروج ، فرأوا الخروج ، فلما لبس لأمته وعزم قالوا : أقم ، فلم يمل إليهم بعد العزم ، وقال : ” لا ينبغي لنبي يلبس لأمته فيضعها حتى يحكم الله ” .
وشاور علياً وأسامة فيما رمى به أهل الإفك عائشة ، فسمع منهما ، حتى نزل القرآن فجلد الرامين ، ولم يلتفت إلى تنازعهم ، ولكن حكم بما أمره الله .
وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضع الكتاب والسنة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ورأى أبو بكر قتال من منع الزكاة ، فقال عمر : كيف تقاتل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله ” فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم تابعه بعد عمر ، فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” من بدل دينه دينه فاقتلوه ” .
وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا ، وكان وقافا عند كتاب الله عز وجل انتهى .
وفيما تقدم مما ذكره البخاري فوائد ، منها :
أن الإمام بعد المشورة ، والعزم على فعل الشيء الذي وقعت عليه المشورة ، والشروع فيه ، لا يرجع عنه ، إلا لسبب ظاهر وواضح أن المصلحة والحكمة بخلافه .
ومنها : أن الشورى إنما تكون في الأمور المباحة ، أي : التي لا نص فيها ، أما ما عرف حكمه فلا .
ومنها : عمل الصحابة بالشورى ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره عن الخليفتين الراشدين : أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
ومنها : أن أهل العلم والفضل هم أهل الشورى والمشاورة ، وأحق الناس بها ، لقوله : وكان القراء أصحاب مشورة عمر كهولا كانوا أو شبانا .
ومنها : مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمر عائشة رضي الله عنها قبل أن ينزل القرآن بشأنها ، وهو أكمل الناس عقلا ، وأرجحهم رأيا .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الترمذي .
و من الدلائل التي تدل على أهمية الشورى في الإسلام : أن الله سبحانه وتعالى أمر بها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وهو المؤيد بالوحي ، فقال تعالى : ( وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) [ آل عمران : 159] .
بل إن الإسلام جعلها من صفات المؤمنين الصالحين ، حتى إنها وردت في السياق القرآني الكريم بين ركنين عظيمين من أركان الدين هما : الصلاة والزكاة ، قال تعالى : ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) [ الشورى : 38] .
وأخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنها أمانة ، فقال : ” المستشار مؤتمن ” رواه أصحاب السنن .
أي : أمين على ما استشير فيه ، فإذا عرف المصلحة فكتمها ، أو أشار بخلافها ، فقد غش وترك الإحسان .
قال العلماء : إن الشورى عبادة ، وبحث عن الحق والصواب ، ووسيلة للكشف عن المواهب والقدرات ، واختبار لمعادن الرجال ، وجمع للقلوب وتأليف بينها على العلم والخير والإيمان ، وتربية للأمة ، وبناء لقواها الفكرية ، وتنسيق لجهودها ، وإفادة من كل عناصرها ، وإغلاق لأبواب الشرور والفتن والأحقاد .
وقال الحسن : ما تشاور قوم إلا هداهم الله لأفضل ما يحضرهم . رواه البخاري في الأدب المفرد .
وفي لفظ : إلا عزم لهم بالرشد أو بالذي ينفع .
والشورى هي السبيل إلى الرأي الجماعي ، الذي هو خير للفرد والمجتمع من رأي الفرد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ” رواه ابن ماجة .
ويجب أن يلاحظ أن من خصائص الشورى في الإسلام أنها يجب أن تتم في إطار الشريعة ، ومناج النبوة المحمدية ، فلا تخرج عن النصوص الشرعية من القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة .
وأن يشاور أهل الاختصاص من ذوي العلم والفهم ، والعقل والخبرة والحنكة ، كل بحسب اختصاصه وعلمه .
والله سبحانه أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم