أرشيف الفتاوى

حكم رسم القصص للأطفال

السؤال :

ما حكم رسم القصص للأطفال , سواء كانت شخصيات كرتونية أو حيوانات ؟

الجواب :

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام ، على من لا نبي بعده ، وآله وصحبه ..

وبعد :

فالأصل في تصوير كل ما فيه روح من إنسان أو حيوان أنه محرم , سواء كانت الصور مجسمة أو غير مجسمة , أي على ورق أو قماش أو جدار ، أو على شكل تمثال  .
لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عن ذلك , وتوعد فاعله بالعذاب الأليم .
كقوله صلى الله عليه وسلم : ” من صور صورة في الدنيا , كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة ، وليس بنافخ ” رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .

وعنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” كل مصورٍ في النار , يجعل له بكل صورة صورها نفساً فيعذبه في جهنم ” .
قال ابن عباس : فإن كنت لا بد فاعلاً , فاصنع الشجر ومالا نفس له . متفق عليه .
وغيرها من الأحاديث .
وعن ابن مسعود رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ” رواه مسلم ( 3/1670) .

ويدل على حرمة تعليق الصور : حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير – وهي وسادة – وفي رواية : أنها سترت سهوة : وهي الرف ، بقرام : وهو الستر الرقيق – فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل ، فعرفت في وجهه الكراهية فقالت : يا رسول الله ، أتوب إلى الله وإلى رسوله ، فماذا أذنبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما بال هذه النمرقة ؟ فقالت : اشتريتها لك ، تقعد عليها وتوسدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أصحاب هذه الصور يعذبون ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ” ثم قال : ” إن البيت الذي فيه الصور ، لا تدخله الملائكة ” رواه مسلم ( 3/1669) .

ولكن يباح من التصوير ما فيه فائدة متحققة ، ولا ضرر فيه , ولا كشف عورة ، مثل التصوير الذي يحتاج له في الطب والتشريح , والتصوير لتعريف الشخصية في البطاقة المدنية , بل قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان ، كما في التصوير لجوازات السفر .

ومنه : لعب الأطفال وصورهم التي يلهون بها , فإنه يجوز اتخاذها بضوابط ، دل عليها أحاديث منها :

1. فعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات , فكان النبي صلى الله عليه وسلم  يأتي لي بصواحبي يلعبن معي . أخرجه البخاري ( 10/433) ومسلم .
والبنات : هن اللعب من القماش والصوف ونحوه .

قال الحافظ ابن حجر : واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ البنات واللُّعب , من أجل لعب البنات بهن , وخصَّ ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور , وبه جزم عياض , ونقله الجمهور , وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات ، لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن اهـ .

وفي رواية : قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم , وكان لي صواحب يلعبن معي , فكان إذا دخل ينقعمن منه فيسربهن إليّ .
وفي رواية قالت : فهبت الريح فكشفت الستر عن بنات لعائشة لعب , فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بنات , ورأى بينهن فرساً له جناحان من رقاع , فقال : ” ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ ” قالت : فرس , قال : ” وما هذا الذي عليه ؟ قالت : جناحان , قال : ” فرس له جناحان ؟ ” قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه . رواه أبو داود والنسائي  .

وهذا من تقريره صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها على اللعب بالبنات , وهو عليه والصلاة والسلام لا  يقر على حرام أو باطل ، كما هو معلوم .

2. ومنها حديث الربيع بن معوذ رضي الله عنها قالت : “….. فكنا نصوم بعد ونصوم صبياننا , ونجعل لهم اللعبة من العهن , فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك ، حتى يكون عند الإفطار ” .
وفي رواية : ” فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة ، تلهيهم حتى يتموا صومهم . رواه البخاري ( 4/163) ومسلم ( 3/152 ) .

وعلى هذا :

فإنه يجوز رسم الصور للأطفال من حيوانات وغيرها , بشرط البعد عن المضاهاة , أي : المشابهة للخلق تماماً , فتكون الصور غير مطابقة للحقيقة ، لحرمة المضاهاة ، كما في حديث عائشة السابق : قوله صلى الله عليه وسلم : ” يا عائشة ، أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة ، الذين يضاهون بخلق الله ”  مسلم ( 3/1668)  .
والمضاهاة : هي المشابهة والمشاكلة .
وأن تكون هذه القصص نافعة للأطفال , تدعوهم إلى التوحيد , والإيمان , والأخلاق الحسنة , وتنهاهم عن المحرمات , كالشرك والأخلاق السيئة والفواحش وغيرها .

والله تعالى أعلم

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

 

زر الذهاب إلى الأعلى