أرشيف الفتاوى

الوقف على الورثة ؟!

السؤال :

والدي أوصي أن يكون أحد المنازل وقفا للأولاد وأولادهم  ، فهل يجوز ذلك ؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وآله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :

فالوقف معناه شرعا : حبس أصل الموقوف ، وتسبيل ريعه أو ثمرته لصالح الموقوف عليه .

والأصل فيه ما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم .

وما رواه أيضاً : عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أصاب عمر أرضاً بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها قائلاً : يا رسول الله ، إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب قط مالاً أنفس عندي منها فما تأمرني فيها ؟ فقال: ” إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بها ، غير أنه لا يباع أصلها ، ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث ” .
قال عبد الله بن عمر : فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضعيف ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها ، أو يطعم صديقاً بالمعروف ، غير متأثل فيه ، أو غير متمول فيه  . متفق عليه

قال الترمذي : ” والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك ، اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك . سنن الترمذي برقم (1375).

ولا بد أن يكون على جهة بر وقربة ، كالمساكين من أقاربه أو غيرهم والمساجد ونحوها .
وله أن يقف على المحتاج والفقير من ذريته ما تناسلوا ، فإن أغناهم الله عنه ، صرفت غلة الأوقاف في وجوه البر وأعمال الخير ، كالفقراء ، وتعمير المساجد ، وتعليم القرآن والعلوم الشرعية ، وفي طلبة العلم الفقراء ونحو ذلك  .

أما الوقف على بعض الأولاد أو على بعض الورثة دون بعض ، فلا يجوز على الصحيح ، لعدة أدلة :

الأول : أنه وقف على وارث ، والأصل في هذا أن الله سبحانه قد حكم بقسمة الميراث بين مستحقيه بنفسه ، فلا يجوز إذاً لمورث مخالفة هذا الحكم ، وهذا مخالف أيضا لما رواه أبو أمامة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا  وصية لوارث ” أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا (2870) .

الثاني :  تفضيل لبعض الورثة على بعض ، وتخصيص بعضهم  بالزيادة بالوقف تفضيل محرم .
فكما لا يجوز للمورث في حياته تفضيل بعض ولده على بعض ، سواء في الهبة أو العطية أو غيرهما ، فكذلك بعد الممات ، لما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : أعطاني أبي عطية ، فقالت عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية ، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: ” أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ ” قال : لا ، قال : ” فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ” قال فرجع فرد عطيته .
وفي لفظ آخر : قال رسول الله : ” لا تشهدني على جور ” .

فإذا كان النهي عن التفضيل في حال الحياة ثابت ، فهو بعد الموت أشد وآكد ، لما ينتج منه في كلتا الحالتين من العداوة والبغضاء والقطيعة بين الورثة .

ثالثا : أن هذا الوقف مخالف لما درج عليه السلف في أوقافهم ؛ لأنه لم يعرف عن أحد منهم أنه فعل مثل هذا .
قال الميموني: سئل أحمد عن بعض المسائل في الوقف ؟ فقال : ما أعرف الوقف إلا ما ابتغي به وجه الله .
وقال أيضًا: أحب إلي أن لا يقسم ماله ، ويدعه على فرائض الله .
وقال القاسم بن محمد لمن سأله عن وصايا العباس بن عتبة : انظر ما وافق الحق منها فأمضه ، وما لا فرُد ؛ فإن عائشة حدثتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” .

رابعا : أن فيه حجرًا على الورثة وتضيقا عليهم ، ومنعا لهم من التصرف في ميراثهم الذي فرضه الله لهم ، فهو يقصد بهذا منعهم من بيعه والتصرف فيه بالهبة أو غيره من أنواع التصرفات ، مع أن الله أباح لهم ذلك ، فهو من تخوفه على بعض ورثته ، يريد أن يتصرف تصرفًا أحسن مما شرعه رب العالمين { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }[ المائدة : 50] .

ولا يبعد أن يكون بفعله هذا داخلاً في عموم تعدي حدود الله ، وعدم الرضا بما فرضه الله سبحانه .

والله تعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى