الحرب على الحجاب

مرة أخرى

الحمد لله حمداً كثيراً مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى وأزواجه وآله الطاهرين وأصحابه الطيبين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،,,

فمما امتن الله تعالى به على بني الانسان ما قاله تعالى في كتابه العظيم :” يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباسُ التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون . يا بني آدم لا يفتننَّكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليُريهما سوآتهما إنه يراكم وقبيله من حيث لا ترونهم إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ) الأعراف : 26 -27 .

فالله سبحانه بنعمته يسر لعباده اللباس الضروري الذي يستر العورات ، ولباس الزينة الذي يقصد منه الجمال ، وكله مما يعين على عبادة الله تعالى وطاعته .
والأهم من لباس الزينة والأعظم ، لباس التقوى الذي يستمر مع العبد حتى بعد موته ، ولا يفنى ولا يبيد ، وهو جمال الفلب والروح ، بالتقوى وخشية الله ، والبعد عن المعاصي ، والخلق الحسن والحياء الذي هو جمال المرء .

ثم يحذر الله تعالى بني آدم من كيد الشيطان أن يفعل بهم كما فعل بأبيهم ، بأن يزين لهم العصيان ويدعوهم إليه ، فينقادوا له ، فتنكشف عوراتهم ، ويفتنهم عن طريق الله ودينه .
فالواجب الحذر من إبليس وجنوده ، الداعين للتخلي عن لباس التقوى والإيمان ، واللباس الذي يستر العورات ، ويتميز به الإنسان عن بقية الحيوان ..

بل وإعلان الحرب عليهم ، والتبرؤ منهم ومن أفعالهم ودعوتهم ، وعدم موالاتهم ومحبتهم والركون إليهم ، لأنهم أعداء الله تعالى جهرة ، الذين بين لنا عداوتهم وكيدهم ومكرهم على ألسنة رسله الكرام ، صلوات الله عليهم .
وقد قال الله تعالى منكراً ومحذراً من إبليس وذريته وأتباعه : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً ) الكهف : 50 .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الآية الثانية :” يُحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله ، مبيناً لهم عداوته القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة ، التي هي دار النعيم إلى دار التعب والعناء ، والتسبب في هتك عورته بعد ماكانت مستورةً عنه ، وما هذا إلا عن عداوة أكيدة ” .

وقال ابن الجوزي رحمه الله في قوله تعالى (يابني آدم لا يفتننَّكم الشيطان) :”والمعنى لا يخدعنكم ، ولا يضلنكم بغروره فيزين لكم كشف عوراتكم” .

إذن فكل من سعى في هتك ستر بني آدم ، وخطط لكشف عوراتهم ، وأمر بذلك ، هو من أعوان الشيطان وأوليائه وحزبه اللعين .

ونحن اليوم أمام عدو شيطاني ممتد طولا وعرضا في الأرض ، يخطط  لهتك الأستار ، وكشف العورات ، وإظهار المخبوء للأعين الخائنة ، والقلوب المريضة ، مجنداً في سبيل ذلك كل ما يمكنه من الأعوان والجنود ، والأجهزة والآلات ، والقوانين الجائرة ، والأساليب الظالمة ، وكل من يعادي الستر والعفة والحياء ، فيروج للعري والتكشف ، والتبرج والسفور ؛ إنها حقا حرب معلنة ، وحرب شرسة ، إنها معركة بين الله وجنوده ، وبين الشيطان وحزبه ، إنها معركة بين الدين الحق بعث به رسله ، والوثنية الحديثة ، إنها معركة العفة والحياء والفضيلة ، والأخلاق المرذولة ، وأخيرا وليس آخرا : إنها معركة الحجاب والنقاب …

وقد استدرج إبليس لعنه الله وحزبه طوائف من بني آدم قديما وحديثا ، وأوقعوهم في هتك العورات ، بشتى المسميات والمغريات ، فمن خبثه ومكيدته أن طاف عرب الجاهلية قديما بالبيت عراةً ؟؟ يتعبدون لله بذلك التعري والفحش بزعمهم ؟؟؟؟!
فيرد الله تعالى عليهم ذلك الخزي والسوء ، حيث يقول عز وجل : ( وإذا فعلوا فاحشةً قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون ) الأعراف : 28.

قال ابن عباس ومجاهد في تفسير الفاحشة المذكورة : هي طوافهم بالبيت عراة ” ، ثم هم فوق فاحشة العري التي ارتكبوها ، ينسبونها إلى الله سبحانه وتعالى ودينه وشرعه ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ؟؟

وهكذا اليوم حال من يدعو إلى السفور ، ويحارب ربَّات الخدور ، في محاولة لنزع العفة والستر الجميل عنهن ، ويدعي أن ما ينهى عنه ويمنعه ، من ستر الوجه هو من أمر الإسلام ؟! أو أنه في مصلحة الأمن أو الجامعات أو غيرها من الدعاوى الفاسدة ؟!

في حين أن آيات القرآن صريحة في أن الأمر بهتك الستر ، وبنزع اللباس هو أمر الشيطان وحزبه ، لا أمر الرحمن جل جلاله ، فتأمل في أي طرفي المعركة يقف أعداء الخمار اليوم ، لتدرك أن حالهم حال السائرين في ركب الشيطان ، المحاربين لأولياء الرحمن ، لا يجدون لأنفسهم منكراً ينكرونه بزعمهم ، سوى مهاجمة مسلمةٍ تتعبد لله بستر وجهها ، عن أعين الناظرين ، وفتنة الشياطين .

ولن نطيل بسرد الأدلة على حجاب المرأة وتغطية وجهها فهي كثيرة ، وقد سبق الحديث عنها ، ولكن نقتصر على بيان طرفٍ منها ، مما فيه تصريحٌ بأن الحجاب الشرعي شاملٌ لحجاب الوجه وبقية البدن ، خلافاً لما يدعيه المتأولون أو المغرضون .

فمنها :

فأولا :  قوله تعالى: ( وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب ) الأحزاب : 53 .
قال الإمام القرطبي رحمه الله : في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب ، في حاجة تعرض أو مسألة يُستفتين فيها ، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى ، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة ، بدنها وصوتها كما تقدم ، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة ، كالشهادة عليها ، أو داء يكون ببدنها أ، و سؤالها عما يعرض وتعين عندها ” انتهى .

ثانيا- قول الله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما ) الأحزاب : 59 .
فقوله ( جلابيبهن ) جمع جلباب : وهي الملاءة والعباءة التي تشتمل بها المرأة .

وقال في جامع البيان : الجلباب رداء فوق الخمار تستر من فوق إلى أسفل ، يعني يرخينها عليهن ، ويغطين وجوههن وأبدانهن انتهى .

وقوله ( ذلك أدنى) أي : أقرب إلى ( أن يعرفن ) بأنهن حرائر ( فلا يؤذَين) بالتعرض لهن ، بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن ، وكان المنافقون يتعرضون لهن.

قال السيوطي: ” هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن” .

ثالثا – النبي صلى الله عليه وسلم نفسه قد صرح بأن المرأة عورة كلها ، بالنسبة لنظر الأجانب وعند خروجها من بيتها ، ولم يستثن من المرأة شيئاً ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إن المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها ” رواه الترمذي والطبراني وابن خزيمة ( 1685 ، 1687) وصححه الألباني في الإروا ( 273 ).

وهذا الحديث يُيبين بأن المقصود بالعورة هنا عورة المرأة عن نظر الأجانب ، بدلالة السياق حيث ذكر خروجها من المنزل ، وأنه محط استشراف الشيطان لها ، حتى لو كانت خارجة تقصد وجه الله تعالى للمسجد أو غيره .

رابعا: فقيهة الأمة ، والعالمة بشؤون النساء ، ومن كانت مرجعا للصحابة والتابعين في كثير من أحكام الدين ، وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قد صرحت بصفة الحجاب الشرعي ، كما في الأحاديث الصحيحة ، حيث قالت: ” يرحم الله نساء المهاجرات الأُول ، لما أنزل الله ( وليضربن بخُمُرهنَّ على جيوبهنَّ” شققن مروطهن فاختمرن بها ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ” قوله ( فاختمرن ) أي : غطين وجوههن ، وصفة ذلك : أن تضع الخمار على رأسها ، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر ، وهو التقنع .

وقال الفراء : ” كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها ، وتكشف ما قدامها ، فأُمرن بالاستتار والخمار للمرأة كالعمامة للرجل ” .

خامسا : وكذا حديثها الآخر : رضي الله عنها وهي تروي حادثة الإفك ، عندما ذهبت تبحث عن عقد لها فسار الجيش بهودجها ، وهم يظنون أنها فيه قبل رجوعها ، فقالت رضي الله عنها: ” وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش ” .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” قوله ( فعرفني حين رآني) هذا يشعر بأن وجهها انكشف لما نامت ، لأنه تقدم أنها تلففت بجلبابها ونامت ، فلما انتبهت باسترجاع صفوان ، بادرت إلى تغطية وجهها ، قولها ( وكان يراني قبل الحجاب ) أي : قبل نزول آية الحجاب .

وقال رحمه الله : ” قوله ( فخمّرت) أي : غطيت وجهي بجلبابي ، أي الثوب الذي كان عليها ” .

ختاما نحن عباد الله في معركة عالمية ، تدور رحاها حول ستر المرأة ولباسها ، ويتعارك طرفاها حول الأمر باللباس والستر ، وهو الطرف الرحماني ، وطرف ينادي بنزع اللباس والستر وهو الطرف الشيطاني ، وبيننا وبين هؤلاء قوله تعالى : ( فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون ) .

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الموحدين ، يا رب العالمين ،،،