شبهة حول كشف الوجه
السؤال :
يحتج بعض المتأولين أو المغرضين بحديث ” لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين” فيقولون : لو كان وجه المرأة عورة لما أمر بكشفه في الحج ؟!
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
فهذا من الحجج الضعيفة التي يحتج بها على جواز كشف الوجه للمرأة ، وليس فيه دليل على كشف الوجه ، لأن نهي الرسول صلى الله عليه وسلم المحرمة عن لبس النقاب والقفازين ، مثل نهيه للمحرم عن لبس السراويل ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : ” لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ” الحديث في الصحيحين .
فالذي يفهم من النهي عن النقاب عند الإحرام الأمر بكشف الوجه ، ويستنبط منه أنه ليس بعورة ؟ يلزمه أن يفهم من النهي عن لبس المحرم السراويل الأمر بكشف عورته وفخذيه في إحرامه ؟ ويستنبط أن الفخذين والفرج ليس بعورة ؟؟!
وهذا قول لا يمكن أن يتفوه به عاقل ؟! ومن فرق بين النصين ، فإنه يفرق بمحض التحكم وبغير دليل ؟
والحق في هذه المسألة : أن النهي وارد عن نوع مخصوص من الثياب ، يفصل على قدر العضو ، وهما النقاب والقفازان ، لا عن ستر العورة ، وقد صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، تصريحه بأن المرأة عورة كلها ، بالنسبة لنظر الأجانب ، وعند خروجها من بيتها ، ولم يستثن من المرأة شيئاً ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” المرأة عورة ؛ فإذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها أقرب ما تكون إلى الله وهي في قعر بيتها ” رواه الترمذي والطبراني وابن خزيمة ( 1685 ، 1687) وصححه الألباني في الإرواء ( 273 ).
كما أن عورة المرأة في الصلاة شيء ، وعورتها عن نظر الأجانب شيء آخر ، والحج فيه شبه من الحالين ؛ فهي من جهة كون الطواف والحج عبادة أشبه بالصلاة فكان كشف الوجه إذا أمنت نظر الرجال ، ومن حيث احتمال نظر الرجال إليها في مناسك الحج أشبه بحال خروجها من البيت ، وكان سترها وجهها إذا واجهت الرجال بشيء غير النقاب كأن تسدل خمارها .
وعن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت : كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق ” رواه مالك .
قال الإمام الشافعي رحمه الله : ” وتفارق المرأة الرجل فيكون إحرامها في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه ، فيكون للرجل تغطية وجهه كله من غير ضرورة ، ولا يكون ذلك للمرأة ، ويكون للمرأة إذا كانت بارزة تريد الستر من الناس أن ترخي جلبابها أو بعض خمارها أو غير ذلك من ثيابها من فوق رأسها ، وتجافيه عن وجهها حتى تغطي وجهها متجافياً كالستر على وجهها ، ولا يكون لها أن تنتقب “.
وأما النهى عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته ، فلايصح فيه شيء ، بل قد حكى غير واحد الإجماع على جواز ذلك ، كالحافظ ابن عبد البر رحمه الله قال : ” وأجمعوا أن إحرام المرأة في وجهها ، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها وهي محرمة ، وأن لها أن تسدل الثوب على وجهها من فوق رأسها سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجل إليها “.
وكذلك حكى الإجماع عليه ابن رشد رحمه الله .
والنقل في هذه المسألة يطول ، وقد سبق ذكر الأدلة على وجوب الحجاب ، فيمكن مراجعتها .
والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم