موضوع الساعة

رحم الله تعالى الشيخ الغديان

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه اجمعين

رحم الله الشيخ العلامة الأصولي الفقيه عبد الله بن غديان رحمة واسعة وجعل الفردوس الأعلى مثواه ، وغفر لنا وله ولسائر المسلمين .
وقد التقيناه مرارا في مواسم الحج وغيرها ، واستمتعنا بمجالسه ، واستفدنا منه ومن علمه ، وسألناه عن كثير من المسائل العلمية ، وكان يسأل ويختبر ذكاء الحاضرين ، ويشد انتباههم ، ، وكان يداعبنا أحيانا .

وحق للأمة المسلمة أن تحزن لفقد العلماء ، فإن موتهم ثلمة في جدار الإسلام و المسلمين ، وضراً للديار ، ونقصاً في الأرض ، قال تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ) [ الرعد : 41] .
قال ابن عباس في رواية : خرابها بموت علمائها وفقهائها ، وأهل الخير منها.
وكذا قال مجاهد: هو موت العلماء.

وقال الشاعر في هذا قوله :

الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها  ***   متى يمت علم فيها يمت طرف
كالأرض تحيى إذا ما لغيث حل بها ***  وإن أبى عاد في أكنافها التلف

ولا شك أنه في آخر الزمان يتناقص العلماء الأجلاء ، ويكثر الجهل ، ويعم الفساد ، كما اخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي : ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبق عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهّالاً ، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ” رواه الشيخان .

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ” إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويُبث الجهل، وتشرب الخمر ، ويظهر الزنا ” رواه البخاري ومسلم .
ولهما : عن ابن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قالا : قال النبي : ” إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل ، ويُرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج ، والهرج : القتل ” .

ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه : ” لا يأتي عامٌ إلا وهو شرٌ من الذي قبله ، أما إني لست أعني عامًا أخصب من عام ، ولا أميرًا خيرًا من
أمير، ولكن علماؤكم وخياركم يذهبون ، ثم لا تجدون منهم خلفًا ، ويجيء
قوم يقيسون الأمور بآرائهم ، فيُهدم الإسلام ويُثلم “.

إننا نشهد اليوم كيف يتناقص العلماء ، يذهب العالم من العلماء ، فتُثلم ثُلمةٌ في الإسلام لا تُسدّ ، ولا ينهض لمكانه مثله ، حتى يقل العلماء الربانيون ، العالمون العاملون .

بل وقلّت الحفاوة والاهتمام بمن بقي منهم ، وإنزالهم منازلهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقلَّ الذين يرجعون إليهم في الأمور المصيرية والعظيمة وغيرها ،ونحن اليوم نرى ما حدَّثنا به الصادق المصدوق ، من الهوًى متبع ، والشحٍّ المطاع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ونرى الرؤوس الجهال الذين يفتون بغير علم ، فيضلون ويُضلون .

فوجود العلماء فيه خير عظيم للأمة ، فهم كالمنارات التي يهتدى يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، وكالعلامات التي يستدل بها على صحة الطريق ، وكالنجوم التي يسير على ضوئها الناس في الأسفار ، اصطفاهم الله تعالى لحمل رسالته ، وحفظ ميراث أنبيائه ، وأداء الأمانة العلمية ، كما قال سبحانه ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) آل عمران .

فمن اتبع سبيلهم قادوه إلى ساحل النجاة ، وبر الأمان ، وقد أمر الله تعالى بالرجوع إليهم كما قال سبحانه : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [النحل: 43].
وقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر  ) النساء .
وحق للأمة أن تفتخر بوجودهم وبعلمهم وبعملهم ودعوتهم .

كيف لا ؟! وقد زكاهم المولى سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم واصطفاهم لحمل رسالته والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وسخر الله سبحانه الملائكة في السماء ، والطيور في الهواء ، والحيتان في الماء ، لتستغفر لهم ، وتدعو لهم بالخير .
وقد حذر الله تعالى ورسوله من مخالفتهم ، والتنكب لطريقهم ، وإتباع غيرهم من أصحاب الآراء ، أو أهل الأهواء والبدع ، أو الزهد بهم ، فضلاً عن السخرية بهم في المجالس ، أو لمزهم والتنقص لعلمهم أو فتواهم ، فهذا من علامات الضلال والبعد عن الطريق المستقيم .

فهذا طريق أهل الضلال والبدع وطريقتهم ، وهو ما يوصي به أعداء الإسلام والمسلمين ، من اليهود والنصارى والملاحدة المعادين لهذا الدين العظيم .

رحم الله تعالى من مات منهم ، ونفعنا بمن بقي ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .

زر الذهاب إلى الأعلى