الحذر من الكتاب الضار ؟ّ!
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه .
وبعد :
فالكتاب خير جليس ، وأفضل أنيس ، معلم بار ، وصديق صادق
حتى قال القائل :
أنا من بدل بالكتب الصحابا ***** لم أجد لي وافيا إلا الكتابا
لكن ذلك يكون للكتب النافعة ، الهادية للخير ، والمحببة فيه ، والناهية عن الشر بأنواعه ، وليس لكل كتاب ؟!
فتنتقى الكتب كما تنتقى الأصحاب ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) التوبة .
فيجب على المسلم التقي النقي أن يحافظ على عقيدته وإيمانه ، ويحرص على سلامة منهجه وفطرته وعقله ، ويهرب بدينه وقلبه من الشبهات والفتن ، فإن القلوبَ ضعيفةٌ والشبهَ خطَّافة كما قال السلف .
والشبه التي يثيرها أهل البدع والضلالات ، قد تخطف قلب المسلم ، وهي في الحقيقة شبه واهية وضعيفة .
ومن ذلك : تجنب الكتب الضارة بالعقيدة والأخلاق
والنظر في كتب البدع والضلالات أو كتب الشرك والخرافة ، أو كتب الأديان الأخرى المحرفة ، أو كتب الإلحاد والنفاق ، أو الكتب التي تدعو إلى الفساد الخلقي ، والعلاقات الآثمة ، لا يجوز إلا لمتأهِّل في العلم الشرعي ، يعرف الحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، يريد بقراءته لها الرد على أهلها ، وبيان فسادها ، والتحذير منها .
أما أن يقرأ فيها من لم يدرس العقيدة الصحيحة ، والمنهاج النبوي الصحيح ، فغالبا ما يناله من هذه القراءة شر ، كأن تشككه بدينه وعقيدته ، أو تورثه الحيرة ، أو تصده عن الحق البين ، وقد وقع ذلك لكثير من الناس قديما وحديثا ، وحتى لبعض طلبة العلم ، وربما انتهى ببعضهم الأمر إلى الكفر والإلحاد والعياذ بالله ؟!
وقد يقول القائل بأن قلبه أقوى من الشبهات المعروضة ، إلا أنه يفاجأ – مع كثرة قراءته لها – بأن قلبه قد تشرَّب من الشبهات ما لم يخطر له على بال ؟! وان نفسه بدأت تميل إلى قول فلان وفلان ؟
ولذلك اتفقت كلمة السلف الصالحين ، وعلماء المسلمين ، على تحريم النظر والمطالعة في هذه الكتب ، حتى ألف الإمام ابن قدامة المقدسي رسالة بعنوان ” تحريم النظر في كتب الكلام ” .
والسيوطي ألف كتابه : ” صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام ” .
ومن الأصول المقررة أيضا في مذهب السلف : التحذير من أهل البدع ومن كتبهم وأقوالهم ، بل ومجالستهم والخلطة بهم ، وقد وردت عنهم الأقوال الكثيرة المشتهرة ، بذمهم وهجرهم ، وتحذير الأمة منهم ، والنهي عن مجالستهم ومصاحبتهم ومجادلتهم ، ونحو ذلك ، ومنها :
ما قاله الإمام أحمد رحمة الله : أصول السنة عندنا : التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء بهم ، وترك البدع وكل بدعة فهي ضلالة ، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء وترك المراء والجدال…” .
وكان الإمام الحسن البصري رحمه الله يقول : لا تجالسوا أهل الأهواء ، ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم .
وقال الإمام ابن المبارك رحمة الله : .. وإياك أن تجالس صاحب بدعة .
وقال أبو قلابة : لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ، فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة ، أو يلبسوا في الدين بعض ما لبس عليهم .
ولخص الإمام الصابوني مذهب السلف في ذلك فقال: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونهم ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم ولا يصحبونهم في الدين ، ولا يناظرونهم ، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت بالقلوب ضرت وجرت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرت..” .
ولكن هناك أسس وضوابط لا بد من مراعاتها بالنسبة لأهل البدع ، ويمكن تلخيصها بما يلي :
1- أن البدع مراتب مختلفة ، منها ما يوصل صاحبها إلى الكفر ، ومنها ما هو دون ذلك ، ومنها البدعة الحقيقية ، ومنها الإضافية ، ومنها البدع الظاهرة البينة ، ومنها الدقيقة الخفية ، فالموقف يختلف بحسب مرتبة البدعة .
2- أن أهل السنة يفرقون بين الداعية للبدعة وغير الداعية ، وبين المعلن لها والمستتر .
3- ومن جهة كون صاحبها مجتهداً أو مقلداً .
4- ومن وجهة كونه مصراً عليها أو غير مصر ، كأن تكون فلتة لسان ، أو زلة عالم ، ثم لم يعاودها .
5- أيضا يفرق في الهجر لأهلها ، وإظهار العداوة لهم ، بين الأماكن التي كثرت فيها البدع وقويت ، فصارت لهم القوة والدولة والتدريس والإمامة ، وبين الأماكن التي يغلب عليها السنة وأهلها .
فإذا كانت الغلبة والظهور لأهل السنة ، شرع هجر المبتدع ، وإن كانت القوة والكثرة للمبتدعة – ولا حول ولا قوة إلا بالله – فلا يشرع الهجر ، إذ لا المبتدع ولا غيره من أهل المعاصي يرتدع بالهجر ، ولا يحصل المقصود الشرعي به ، لذا لا يشرع الهجر في هذه الحالة ، بل يسلك مسلك التأليف ، والدعوة والجدال بالحسنى ، والصفح والإعراض ، خشية زيادة الشر .
ويجب أن نعلم أن مسألة هجر المبتدع تندرج تحت قاعدة ” الولاء والبراء ” ولذلك فالمبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة لا يعادى من كل وجه كالكافر ، وإنما يعادى ويبغض على حسب ما معه من بدعة ، ويحب ويوالى على حسب ما معه من إيمان .
6- إذا دعت الضرورة أو الحاجة لمناظرتهم ومجادلتهم ، كأن يخشى فتنة العامة بهم ، أو يطمع برد الشبهات التي يثيرونها ، ممن يقدر على ردها ، وبيان فسادها ، فإنه تشرع المناظرة في هذه الحالة .
ولنا رسالة صغيرة في هذا الباب باسم : ” الكلم المجموع في الهجر المشروع ”
والله الموفق للصواب .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم