موضوع الساعة

عاشوراء

يوم من أيام الله تعالى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
وبعد :

فأيام الله تعالى ، هي الأيام التي تظهر فيها نعمه ، أو نقمه …
و” عاشوراء ” هو من تلك الأيام العظيمة ، فإنه اليوم الذي أهلك الله عز وجل فيه فرعون وجنده ، ونجّى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام وقومه ، ممن آمن به وبرسالته ، وقد أمر الله تعالى نبيه موسى عليه الصلاة والسلام بتذكير قومه بهذا اليوم العظيم ، فقال سبحانه : ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكّرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) ( إبراهيم : 5) .
أي : قلنا لموسى عليه الصلاة والسلام ادعهم إلى الخير ليخرجوا من الظلمات إلى النور ، من ظلمات الكفر والجهل والضلال ، إلى نور العلم والإيمان والهداية ( وذكرهم بأيام الله ) أي : بأياديه ونعمه عليهم ، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه ، وإنجائه إياهم منهم بإغراقه ، وفلقه لهم البحر ، وتظليله إياهم بالغمام ، وإنزاله عليهم المنّ والسلوى ، إلى غير ذلك من النعم ، قال ذلك مجاهد وقتادة وغير واحد من أئمة التفسير رحمهم الله تعالى ( انظر حسن التحرير في تهذيب تفسير ابن كثير 2/ 486) .
وقوله : ( إنّ في ذلك لآيات لكل صبار شكور ) أي : فيما صنعنا بأوليائنا من بني إسرائيل ، حين أنقذناهم من يد فرعون الظالم ، وأنجيناهم مما كانوا فيه من العذاب المهين ( لآيات ) أي : لعبرة ( لكل صبّار ) كثير الصبر ، أي : عند البلاء وفي الضراء ، ( شكور ) أي : كثير الشكر ، أي : عند النعم وفي السراء .

وقد ثبت أن ذلك كان في يوم ” عاشوراء ” من الشهر المحرم .
كما في الصحيحين : من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال: ” ما هذا ؟ ” قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يومٌ نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ، قال عليه الصلاة والسلام : ” فأنا أحق بموسى منكم . فصامه وأمر بصيامه ” اللفظ للبخاري ( 2004) .

وفي رواية مسلم : ” أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، رأى اليهود يصومون عاشوراء ، فقال : ” ما هذا ؟ ” قالوا : هذا يوم عظيم ، نجّى الله تعالى فيه موسى ، فقال عليه الصلاة والسلام : ” أنا أولى منكم بموسى ” فصامه وأمر بصيامه .

وفي رواية أبي موسى رضي الله عنه قال : كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :” فصوموه أنتم ” رواه البخاري ( 2005) .

* أي يوم هو عاشوراء ؟

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني ( 4/441 ) :
فإن عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ .
وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَالْحَسَنِ ; لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ , قَالَ : ” أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، يوم الْعَاشِرِ ” . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( 759) وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انتهى .
قلت : والحديث صححه الألباني ، وهو قول جمهور العلماء .
وَجاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : هو التَّاسِعُ ، وَروى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ . أَخْرَجَهُ الترمذي .
والأول أصح وأشهر ومقتضى اللغة ، وأن التاسع هو تاسوعاء  .

* فضل صيام عاشوراء :

صيام عاشوراء كان معروفاً قبل الإسلام ، فقد روى البخاري ( 4/244) : عن عائشة رضي الله عنها قالت : ” كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه ” .

فلعل أهل الجاهلية تلقوه من الشرائع السالفة ، كشرع إبراهيم عليه السلام وغيره ، وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغيره ، وصوم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بحكم الموافقة لهم كما في الحج ، ولما قدم المدينة علم بسبب صيامه ، كما ذكر ذلك القرطبي والحافظ ابن حجر .

وكان في أول الإسلام واجبا على الصحيح ، فلما افترض رمضان كان هو الفريضة ، وصار صيام عاشوراء على وجه الاستحباب .
وجاء ما يدل على حرص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صيام هذا اليوم ، حتى بعد فرض رمضان .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ ، إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ . ” رواه البخاري (2006 ) .
ومعنى ” يتحرى ” أي : يقصد صومه لتحصيل ثوابه وأجره .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضله : ” صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” رواه مسلم (1976) .
وهذا من فضل الله علينا ، أن أعطانا بصيام يوم واحد ، تكفير ذنوب سنة كاملة ، والله ذو الفضل العظيم .

* استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء :

روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ” قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم (1916) .

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع .

وعلى هذا فصيام عاشوراء يصوم  أن يصام وحده ، والأفضل أن يصام التاسع معه ، وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب .
لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ” رواه مسلم .

* الحكمة من استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء :

قال النووي رحمه الله : ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ …

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ .. فِي عَاشُورَاءَ : ” لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لأصُومَنَّ التَّاسِعَ ” .
( الفتاوى الكبرى ج6 : سد الذرائع المفضية إلى المحارم ) .

وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث : ” لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ” : ما همّ به من صوم التاسع يُحتمل معناه : أن لا يقتصر عليه بل يُضيفه إلى اليوم العاشر ، إما احتياطا له ، وإما مخالفة لليهود والنصارى ، وهو الأرجح ، وبه يُشعر بعض روايات مسلم .
الفتح (4/245) .

* حكم إفراد عاشوراء بالصيام :

لا مانع من إفراد عاشوراء بالصيام ، كما مر معنا صيام النبي صلى الله عليه وسلم له وحده ، وصيام يوم معه مستحب لأجل المخالفة لأهل الكتاب .
قال شيخ الإسلام : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ ، وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ ..  ( الفتاوى الكبرى : ج5 ) .

* حكم عاشوراء لو وافق الجمعة أو السبت :

قد ورد النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصوم ، والنهي عن إفراد يوم السبت بالصوم ، لكن تزول هذه الكراهية إذا صامهما بضمّّ يوم معها ، أو إذا وافق ذلك يوما مشروعاً صومه ، كصوم يوم وإفطار يوم ، أو وافق نذرا ، أو وافق صوما طلبه الشارع كعرفة وعاشوراء ، أو الأيام البيض ونحوها .

قال الإمام الطحاوي رحمه الله : وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَحَضَّ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَقُلْ : إنْ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَلا تَصُومُوهُ ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى دُخُولِ كُلِّ الأَيَّامِ فِيهِ .
وَقَدْ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ،إنْ كَانَ ثَابِتًا – أي النهي عن صيام السبت – أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نُهِيَ عَنْ صَوْمِهِ , لِئَلا يَعْظُمَ بِذَلِكَ , فَيُمْسَكَ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ فِيهِ , كَمَا يَفْعَلُ الْيَهُودُ .
فَأَمَّا مَنْ صَامَهُ لا لإِرَادَةِ تَعْظِيمِهِ , وََلا لِمَا تُرِيدُ الْيَهُودُ بِتَرْكِهَا السَّعْيَ فِيهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ ..
( مشكل الآثار : ج2 باب صوم يوم السبت ) .

وقال البهوتي رحمه الله : ( وَ ) يُكْرَهُ تَعَمُّدُ ( إفْرَادِ يَوْمِ السَّبْتِ ) بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ : ” لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ” رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ . وَلأَنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ ..( إلا أَنْ يُوَافِقَ ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ ( عَادَةً ) كَأَنْ وَافَقَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، وَكَانَ عَادَتَهُ صَوْمُهُمَا فَلا كَرَاهَةَ ; لأَنَّ الْعَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ .
( كشاف القناع : ج2 : باب صوم التطوع ) .

* ماذا يفعل إذا اشتبه عليه أول الشهر ؟!

قَالَ الإمام أَحْمَدُ : فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ . وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ .
( المغني لابن قدامة : ج4 / 441) كتاب الصيام – صيام عاشوراء  .

فمن لم يعرف دخول هلال محرّم ، وأراد الاحتياط للعاشر ، صام الثامن والتاسع والعاشر ، فبذلك يكون قد أصاب تاسوعاء وعاشوراء يقينا.

* صيام عاشوراء ماذا يكفّر من الذنوب ؟!

مر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم في فضله : ” صيام يوم عاشوراء ، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” رواه مسلم (1976) .
أي : يكفر ذنوب السنة التي مضت .
وَتَكْفِيرُ الأعمال الصالحة كالوضوء , وَالصَّلوات الخمس , والجمعة ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَصيام عَرَفَةَ , وَعَاشُورَاءَ وغيرها ، إنما هو لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ دون الكبائر ، وأما الكبائر فتكفرها التوبة أو رحمة الله  .
قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) ( النساء : 31) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” الصلواتُ الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر ” رواه مسلم

قال الإمام النووي رحمه الله في صيام يوم عرفة : يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ .
ثم قال رحمه الله : فإن قيل : قد وقع في هذا الحديث هذه الألفاظ ، ووقع في الصحيح غيرها مما في معناها ، فإذا كفر الوضوء فماذا تكفره الصلاة ؟ وإذا كفر الصلوات فماذا تكفره الجمعات ورمضان ؟ وكذا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .
فالجواب : ما أجاب به العلماء : أن كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ , وذلك كصلوات الأنبياء والصالحين والصبيان وصيامهم ووضوئهم وغير ذلك من عباداتهم .
وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ .               المجموع شرح المهذب (6/ 432)  صوم يوم عرفة .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ , وَالصَّلاةِ , وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَعَرَفَةَ , وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ . ( الفتاوى الكبرى ج5 ) .

هذا ما ورد بشأن عاشوراء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى اللـه عليه وسلم .

مقتل الحسين رضي الله عنه في عاشوراء :

من الأحداث المؤلمة التي حصلت في يوم عاشوراء : مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك في يوم الجمعة ، سنة إحدى وستين للهجرة ، بكربلاء من أرض العراق ، وكان له من العمر ثمان وخمسون سنة ، وكان هذا من المصائب العظيمة على الأمة الإسلامية ، والتي يحزن المسلمون بسببها ، ولكنهم لا يعملون إلا ما شرع الله سبحانه ، وقد شرع لهم الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى : ( وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) البقرة : 155 – 157 .
وفي صحيح مسلم : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها ، إلا آجره الله في مصيبته واخلف له خيراً منها ” .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” وكان قتله – رضي الله عنه – من المصائب العظيمة ؛ فإن قتل الحسين , وقتل عثمان قبله : كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله » مجموع الفتاوى(3/411).

وإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم أمته لصيام هذا اليوم ، إنما كان شكراً لله على نجاة موسى عليه السلام وإهلاك فرعون ، ولا علاقة لصيامه بمقتل الحسين رضي الله عنه أبداً.

الموقف من مقتل الحسين رضي الله عنه :

ولقد ضل في يوم عاشوراء فرقتان :

الفرقة الأولى: النواصب ، وهؤلاء يفرحون ويحتفلون في يوم عاشوراء ، ومن أهل السنة من أخطأ وروى ، أو روي له أحاديث موضوعة في فضل الاغتسال والكحل  والخضاب ونحوه ، مما يعد من مظاهر الفرح والسرور، يعارضون به شعار أولئك القوم الذين يجعلونه مأتماً ، فعارضوا باطلاً بباطل ، وردوا بدعة ببدعة ، كما قال أهل العلم .

الفرقة الثانية: بعض من يجعله مأتماً ، يضربون فيه الخدود ، ويشقون فيه الجيوب ، ويدعون بدعوى الجاهلية ، ويضربون أنفسهم ضرباً شديداً ، بل بعضهم يجرح رأسه بسيف ونحوه حتى تسيل دمائهم ، ويدعون أن يفعلون ذلك حزناً على الحسين رضي الله عنه ، وتنقل ذلك الفضائيات ، وكأنَّ هذه هي المحبة لآل البيت ؟! وغيرهم ممن لا يعمل عملهم ، غير محب لأل البيت ؟! وهذا غير صحيح ، فأولى الناس بآل البيت ، هم الذين يراعون في محبتهم لهم شرع الله تعالى ، وهذا من محاسن المسلمين .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله  : فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه ، فانه من سادات المسلمين ، وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله التي هي أفضل بناته ، وقد كان عابداً وسخياً ، ولكن لا يحسن ما يفعله الناس من إظهار الجزع والحزن ، الذي لعل أكثره تصنعٌ ورياء ، وقد كان أبوه أفضل منه فقتل ، وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم مقتل الحسين ، فان أباه قتل يوم الجمعة ، وهو خارج إلى صلاة الفجر ، في السابع عشر من رمضان سنة أربعين .
وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة ، وقد قتل وهو محصور في داره ، في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة ست وثلاثين ، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد ، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً ، وكذلك عمر بن الخطاب ، وهو أفضل من عثمان وعلي ، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ، ويقرأ القرآن ، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتماً ، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتماً .
ورسول الله سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتخذ أحدٌ يوم موتهم مأتماً ، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة ، مثل كسوف الشمس ، والحُمرة التي تطلع في السماء ، وغير ذلك .     ( البداية والنهاية 11/ 579 )

* البدع والمحدثات في عاشوراء :

وقد أحدث الناس في هذا اليوم محدثات وأمور وبدع ، لا أصل لها في دين الله تعالى ، يجب إنكارها والتحذير منها ، وبيانها لمن يجهلها من عامة المسلمين .

وقد أبان ذلك بكلام شامل الإمام الرباني شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وذلك في كتابه النفيس ” اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ” وذلك في معرض كلامه عن الأعياد المخترعة ، فقال :

” النوع الثالث : ما هو معظم في الشريعة ، كيوم عاشوراء ، و يوم عرفة ، ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان ، والعشر الأول من ذي الحجة ، وليلة الجمعة ويومها ، والعشر الأول من المحرم ، ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة ، فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة ، وتوابع ذلك ، ما يصير منكراً ينهى عنه.

مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء ، في يوم عاشوراء ، من التعطش، والتحزن والتجمع ، وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله تعالى ولا رسوله صلى اللـه عليه وسلم ، ولا أحد من السلف ، لا من أهل بيت رسول الله صلى اللـه عليه وسلم ، ولا من غيرهم ، لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه ، أحد سيدي شباب (1) أهل الجنة ، وطائفة من أهل بيته ، بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله ، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين ، يجب أن تتلقى بما يتلقى به المصائب ، من الاسترجاع المشروع (2) ، فأحدث بعض أهل البدع ، في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب .
وضموا إلى ذلك من الكذب والوقيعة في الصحابة – البرآء من فتنة الحسين رضي الـله عنه وغيرها – أموراً أخرى مما يكرهها الله ورسوله .

و أما اتخاذ أمثال أيام المصائب مآتم !! فهذا ليس في دين المسلمين ؛ بل هو إلى دين الجاهلية أقرب .

ثم فوتوا بذلك ما في صوم هذا اليوم من الفضل .
وأحدث بعض الناس فيه أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة ، لا أصل لها ، مثل : فضل الاغتسال فيه ، أو التكحل ، أو المصافحة ، وهذه الأشياء من الأمور المبتدعة ، وكلها مكروهة .
وإنما المستحب صومه .
و قد رُوي في التوسيع على العيال فيه آثار معروفة ، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه قال: ” بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته “. رواه عنه ابن عيينة . وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله ؟!

ثم قال : لكن لا يجوز لأحد أن يغير شيئاً من الشريعة لأجل أحد ، و إظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء ، و توسيع النفقات فيه ، هو من البدع المحدثة …
فينبغي أن يتجنب جميع هذه المحدثات .
انتهى كلامه رحمه الله باختصار … (3) .

فنسأل المولى جل جلاله أن يهدينا لصراطه المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما .
وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

***********

هوامش :

(1) كما في حديث الإمام أحمد (3/ 31) و الترمذي (4038) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى اللـه عليه وسلم : « الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة» .
قال الترمذي: حسن صحيح. وهو كما قال.

(2) وهو قول الله تعالى : ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) (البقرة : 156- 157) .

(3) اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 620 – 624) باختصار يسير.

 

زر الذهاب إلى الأعلى