حكم تمثيل الصحابة كما في مسلسل الفاروق وغيره
حكم تمثيل الصحابة كما في مسلسل الفاروق وغيره
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين أما بعد:
فإن للصحابة عند أهل السنة والجماعة مكانة عالية ، ومنزلة رفيعة ، لما مَنَّ الله به عليهم من الفضائل العظيمة ، واختصاصهم بصبحة خاتم الأنبياء والمرسلين ، ومن نظر في سيرهم وأحوالهم بعلم وبصيرة علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ، وأنهم الصفوة من القرون المفضلة من هذه الأمة ، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله ، فيجب الاحترام لجنابهم ، والذب عن مقامهم .
قال تعالى في وصفهم ( محمدٌ رسولُ والذين معه أشداءُ على الكفار رُحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) الفتح : 29 .
وقال سبحانه مترضيا عليهم ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذْ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ) الفتح : 18 .
وحينما قال بعض المنافقين في غزوة تبوك : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ، أرغب بطونا ، وأكذب ألسنة ، وأجبن عند اللقاء ، أنزل الله فيهم : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) سورة التوبة :65 -66 .
وقال الله تعالى فيمن لمزهم وعابهم بالصدقات : ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ فيسخرون منهم سخر الله منهم ) سورة التوبة : 79 .
ولا يخلو تمثيلهم من الوقوع في شيء من ذلك ، كما هو معروف ومشاهد ، وإن كان الممثل لا يقصد الاستهانة بالصحابة والإزراء بهم ، هذا أولا .
ثانيا : أغلب أهل التمثيل ممن ينتحل الواحد منهم شخص الصحابي هو شخص دنيَّ المنزلة ، بل قد يكون فاسقاً أو كافراً ؟!
ثالثا : وفي التمثيل أيضا المحاكاة والتقليد ، وقد ورد كراهة النبي صلى الله عليه وسلم له ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " ذهبت أحكي امرأة ورجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أُحب أني حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا " أعظمَ ذلك " رواه أحمد وأبوداود
والْمُحَاكَاةُ فِي القَوْل أَوِ الفِعْلِ " : هي الْمُمَاثَلَةُ والْمُشَابَهَةُ والتَّقْلِيدُ .
رابعا : فكيف إذا اجتمع معه تمثيل نساء الصحابة ، وإبرازهن سافرات وبكامل زينتهن ، أفيرضى أحدنا هذا لنسائه ؟
خامسا : أن ذلك يقتضى محرماً ، وهو اختلاط بالنساء بالرجال الأجانب ، ويدّعون بعد ذلك أنهم صحابة !
وغير ذلك من المخالفات الشرعية .
لهذا وغيره ذهب عامة العلماء المجتهدين إلى تحريم تمثيلهم ، واتفقت على ذلك كلمة المجامع والهيئات العلمية المعتبرة منذ ظهر أمر تمثيل الصحابة في القرن الماضي، من ذلك :
– ما قررته هيئة كبار العلماء بالمملكة السعودية من منع تمثيل الصحابة رضي الله عنهم والنبي صلى الله عليه وسلم من باب أولى وذلك بقرارها رقم 13 وتاريخ 16 / 4 / 1393.
– وأكد في البيان الختامي لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الرابع عشر المنعقد عام 1431 ما أصدره المجمع قديما من تحريم تمثيل الصحابة . وذلك عام 1974م .
– وقرار المنظمات العالمية في مكة عام 1390هـ – وقرار هيئة كبار العلماء رقم 107 بتاريخ 3/11/1403هـ
– فتوى اللجنة الدائمة رقم 4723 وغيرها.
– وقرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته العشرين عام 1432 المؤكد على تحريم تمثيل الصحابة المحرر في قرار المجمع بدورته الثامنة عام 1405 وغيرها.
وأخيرا : ندعو العلماء الذين أفتوا بجواز ذلك واستند إلى فتواهم من قام بهذا العمل ، إلى أن يراجعوا ما أفتوا فيه ، ويتركوا الانفراد عن إخوانهم بهذا الرأي ، فالرجوع إلى الحق فضيلة وشرف وتقوى .
ونذكّر منْ تقرّب لله تعالى بمثل هذا العمل المنكر من المسلمين والمنتجين والممثلين ! أن يتوبوا إلى الله تعالى منه ، وأن يتقرّبوا لله سبحانه بما شرع من أعمال البر والخيرات والأعمال الصالحات .
وليحذروا من التقرّب لله بالبدع وما لم يشرع ، قال عز وجل ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) [الكهف : 103 ، 104]!
وقال عليه الصلاة والسلام : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ " متفق عليه .
وأيضا : فإننا ندعو عموم المسلمين إلى إنكار هذا العمل كل بحسبه علمه وطاقته ، والبعد عن مشاهدته ومتابعته ، التزاما بقوله سبحانه ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ) [الأنعام : 68 ] .
نسأل الله أن يصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأن يصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأن يصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا .
وأن يجنبنا والمسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والحمد لله رب العالمين ،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.