الإصلاح بحسب الحال والقدرة
فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته : ” أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه ِ، فَالإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِه ِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ” .
قال الإمام البغوي في شرح السنة : ” مَعْنَى الرَّاعِي هَهُنَا: الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ عَلَى مَا يَلِيهِ ، أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصِيحَةِ فِيمَا يَلُونَهُ ، وَحَذَّرَهُمُ الْخِيَانَةَ فِيهِ بِإِخْبَارِهِ أَنَّهُمْ مَسْئُولُونَ عَنْهُ.
فَالرِّعَايَةُ: حِفْظُ الشَّيْءِ وَحُسْنُ التَّعَهُّدِ .
فَقَدِ اسْتَوَى هَؤُلاءِ فِي الاسْمِ ، وَلَكِن مَعَانيهمْ مُخْتَلِفَةٌ ، فَرِعَايَةُ الإِمَامِ وِلايَةُ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ ، وَالْحِيَاطَةُ مِنْ وَرَائِهِمْ ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالأَحْكَامِ فِيهِمْ ، وَرِعَايَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِمْ بِالْحَقِّ فِي النَّفَقَةِ، وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَرِعَايَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ فِي أَمْرِ بَيْتِهِ، وَالتَّعَهُّدِ لِخَدَمِهِ وَأَضْيَافِهِ، وَرِعَايَةُ الْخَادِمِ حِفْظُ مَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَالْقِيَامُ بِشَغْلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ “.
فالإصلاح يختلف من حيثُ النظر إلى المكلف وأحواله ، وما يقدر عليه من الإصلاح وما تخوله به منزلته وسلطانه ، فالناس ليسوا فيه سواء ، وهذه أمثلة :
فالعالم يجب عليه من نشر العلم ، وبيان الحق ، ونصيحة الخلق ما لا يجب على غيره .
والقاضي يجب عليه من نشر العدل بين الناس وإقامته ، وعدم المحاباة ما لا يجب على غيره .
والتاجر يجب عليه من الأمانة وعدم الاحتكار ، وعدم الإضرار بالناس في دينهم وأخلاقهم ما لا يجب على غيره .
والحاكم يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومراعاة أصول الدين وإظهار شعائره ، ما لا يجب على غيره .
ويجب عليه من السعي في مصالح الناس ، والأمر بها وتحقيقها ما لا يجب على غيره من الرعية .
وبهذا يتضح أن الأولوية في الإصلاح تختلف من شخص لآخر ، بحسب قدرته وإمكاناته ولذلك جاء في الحديث عند الأمر بتغيير المنكر ، بيان درجات التغيير والإنكار ، فالناس فيه ليسوا سواء فمنهم من وجب عليه أن يغير بيده ، ومنهم من وجب عليه أن يغير بلسانه ، ومنهم من وجب أن يغير بقلبه ، وذلك بحسب القدرة والسلطان ، وكل تكليف أو تعبد فإنما يجب بحسب القدرة والاستطاعة كما قال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن: ١٦ .
وهذه قاعدة من قواعد الشرع ، وهي أن الواجبات منوطة بالقدرة .
وللحديث بقية ،،،