لا غنى لنا عن الشريعة
لا غنى لنا عن الشريعة
السؤال :
ما مدى حاجة المجالس النيابية للشرع والفقه الإسلامي ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
وبعد :
لا شك أنّ هذه القوانين التي تسن في مختلف المجالات ، سواء كانت في التربية والتعليم أو التجارة أو الصناعة أو الإسكان أو المرور وغيرها ، هي من صنع البشر واجتهادهم ، ومبنية على علومهم ، وما كان كذلك ، فهو معرض للخطأ والصواب ، والحق والباطل ، ولا بد من عرضها قبل سنّها وإلزام الناس بها على أهل الاختصاص ، كلٌ في موقعه ، ويكون في مقدمة هؤلاء علماء الشرع والفقه ، والعلم بالذكر من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، لأن المسلم يعتقد بلا شك أن هذا الدين قد كمّله الله له من جميع جوانبه ، كما قال تبارك وتعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) ( المائدة : 3).
قال الحافظ ابن كثير : هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة ، حيث أكمل تعالى لهم دينهم ، فلا يحتاجون إلى دين غيره ، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء ، وبعثه إلى الإنس والجن ، فلا حلالَ إلا ما أحلّه الله ، ولا حرام إلا ما حرّمه ، ولا دين إلا ما شرعه ، كل شيء أخبر به فهو حقٌ وصدق ، لا كذب فيه ولا خُلف ، كما قال تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ) الأنعام : 115 ، أي: صدقاً في الأخبار ، وعدلاً في الأوامر والنواهي .
ويقول الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله في هذا : " والقرآن مملوءٌ بأحكامٍ وقواعد جليلة من المسائل المدنية والتجارية ، وأحكام الحرب والسلم ، وأحكام القتال والغنائم والأسرى ، وبنصوص صريحة في الحديد والقصاص ، فمن زعم أنه دين عبادة فقط ؟؟ فقد أنكر كل هذا وأعظم على الفرية ، وظن أنّ لشخص كائناً من كان ، أو لهيئة كائنة من كانت ، أن تنسخ ما أوجب الله من طاعته ، والعمل بأحكامه ، وما قال هذا مسلمٌ ولا يقوله ! ومن قاله فقد خرج عن الإسلام جملة ، ورفضه كله ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم !" انتهى .
قلت : وقد قال عز وجل: ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) (النحل : 89 ).
قال الطبري : نزّل عليك يا محمد هذا القرآن بياناً لكل ما بالناس إليه الحاجةُ من معرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب .
وقال جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) (الكهف : 54) .
قال الشيخ السعدي : يخبر تعالى عن عظمة القرآن وجلالته وعمومه ، وأنه صرّف فيه من كل شيء ، أي : من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة ، والسعادة الأبدية ، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك ، ففيه أمثال الحلال والحرام ، وجزاء الأعمال ، والترغيب والترهيب ، والأخبار الصادقة النافعة للقلوب ، اعتقاداً وطمأنينة ونوراً ، وهذا مما يوجب التسليم لهذا القرآن وتلقيه بالانقياد والطاعة ، وعدم المنازعة له في أمر من الأمور ، ومع ذلك كان كثير من الناس يجادلون في الحق بعد ما تبين ، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، ولهذا قال ( وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً ) ( الكهف : 54 ) أي: مجادلة ومنازعة فيه ، مع أن ذلك غير لائقٍ بهم ولا عدل منهم ، والذي أوجب له ذلك وعدم الإيمان بالله ، إنما هو الظلم والعناد لا لقصور في بيانه وحجته وبرهانه انتهى .
وقال سبحانه: ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (العنكبوت :51 ).
قال الطبري : وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتسخوا شيئاً من بعض كتب أهل الكتاب !
أي : فأنكر الله عليهم ذلك ، كما ثبت في إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه أخذه من التوراة في الحديث المشهور وقوله له : " أو متهوكون فيها يا ابن الخطاب ؟!!".
وقال الحافظ ابن كثير : أي : أولم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم ، الذي فيه خَبَرُ ما قبلهم ، ونبأُ ما بعدهم ، وحُكْمُ ما بينهم ، وأنت رجلٌ أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولم تخالط الناس من أهل الكتاب ، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ، ببيان الصواب مما اختلفوا فيه ، وبالحق الواضح المبين الجلي انتهى .
فلا صلاح لهذه الأمة ولا فلاح ولا نجاح ، إلا بكتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم ومنهج صحبه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، ولا غناء لها عن ذلك طرفة عين .
والله تعالى أعلم بالصواب
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد