مقتل الحسين بن علي
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ،،، أما بعـد : فقد استشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما ، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عاشوراء ، سنة إحدى وستين من الهجرة . قال الذهبي في السير : مات يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين. انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والحسين -رضي الله عنه ، ولعن من قتله ، ورضي بقتله ، قتل يوم عاشوراء عام واحد وستين. انتهى. أهل السنة والجماعة يحزنون لمقتل الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتألم قلوبهم لذلك ، لكنهم يصبرون ، ويحتسبون هذا المصاب عند الله تعالى، وإذا ذكروا هذا المصاب استرجعوا فيؤجرون لذلك. قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” والحسين رضي الله عنه أكرمه الله تعالى بالشهادة في هذا اليوم ، وأهان بذلك من قتله ، أو أعان على قتله ، أو رضي بقتله ، وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء ، فإنه وأخوه سيدا شباب أهل الجنة ، وكانا قد تربيا في عزّ الإسلام ، لم ينالا من الهجرة والجهاد ، والصبر على الأذى في الله ، ما ناله أهل بيته ، فأكرمهما الله تعالى بالشهادة ، تكميلا لكرامتهما ، ورفعا لدرجاتهما ، وقتله مصيبة عظيمة ، والله سبحانه قد شرع الاسترجاع عند المصيبة ، بقوله تعالى: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ( البقرة ) . وفي الصحيحين : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” ما من مسلم يُصاب بمصيبةٍ ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم آجرني في مُصيبتي ، واخلفْ لي خيراً منها ، إلا آجره الله في مصيبته ، وأخلفَ له خيراً منها ” . ومن أحسن ما يذكر هنا : أنه قد روى الإمام أحمد وابن ماجه : عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما من مسلم يصاب بمصيبة وإنْ قدمت ، فيُحدث عندها استرجاعها ، كتب الله له مثلها يوم أصيب ” . هذا حديث رواه عن الحسين ابنته فاطمة التي شهدت مصرعه. وقد علم أن المصيبة بالحسين – على أية حال – تذكر مع تقادم العهد ، فكان في محاسن الإسلام ، أن بلغ هو هذه السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أنه كلما ذكرت هذه المصيبة يسترجع لها ، فيكون للإنسان من الأجر ، مثل الأجر يوم أصيب بها المسلمون . انتهى . وهذا الذكر والاستحضار للمصيبة والحزن عليها لا يختص بيوم عاشوراء ، بل كلما ذكر المسلم هذا المصاب واسترجع ، رجي له حصول الأجر الموعود في الحديث السابق . وأما اتخاذ ذلك اليوم مأتماً ، وموسما للنّياحة ، يردد فيه خبر مقتل الحسين رضي الله عنه ، مع ما زيد فيه من زيادات لا تصح ، بل كذب واختلاق ، فضلا عما يصاحب ذلك من لطم الخدود ، وخمش للصدور والظهور ، وشقّ الجيوب ، فهو منْ عمل أهل البدع والضلال ، وأهل الأهواء الجهال ، ولقد قُتل منْ هو خيرٌ من الحسين رضي الله عنه ، فقُتل أبوه علي رضي الله عنه وهو خيرٌ منه ، وقُتل عثمان رضي الله عنهم جميعا ، ولم يتخذ المسلمون يوم مقتلهم مأتماً ، وموسماً لتجديد الحزن والنياحة ، فهذا من فرط الجهل والضلال عن الحق . فالموقف الصحيح للمسلم المتبع للكتاب الكريم وللسنة النبوية المطهرة في يوم عاشوراء ، هو : أن يصومه اتباعا للسنة ، وأن يجانب ما أحدثه الناس فيه من البدع والمخالفات من إظهار الحزن والجزع أو إظهار الفرح والسرور. قال شيخ الإسلام رحمه الله : ” وصارت البدع والأهواء والكذب تزداد ، حتى حدثَ أمورٌ يطولُ شرحها ، مثل ما ابتدعه كثير من المتأخرين يوم عاشوراء ، فقومٌ يجعلونه مأتما يظهرون فيه النّياحة والجزع ، وتعذيب النفوس ، وظُلم البهائم ، وسبّ من مات من أولياء الله ، والكذب على أهل البيت ، وغير ذلك من المنكرات ، المنهي عنها بكتاب الله ، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، واتفاق المسلمين … قال : وقومٌ من المتسننة رووا ورُويت لهم أحاديث موضوعة ، بنوا عليها ما جعلوه شعاراً في هذا اليوم ، يعارضون به شعار ذلك القوم ، فقابلوا باطلاً بباطل ، وردوا بدعة ببدعة ، وإنْ كانت إحداهما أعظم في الفساد وأعون لأهل الإلحاد . انتهى. وأخيرا : فإنّ أهل السنة وسطٌ بين الغالي والجافي ، فهم لا يظهرون الفرح في يوم عاشوراء ، كرد فعل على ما يفعله أهل البدع ، لأن البدع لا تُقاوم ببدع مثلها ، ولا يتخذونه موسما للحزن والمآتم . والله أعلم . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم