ما الذي نَرجُوه مِنْ قِيامنا ؟
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه ،،،
وبعد :
فإنّ قيام الليل دأب الصالحين ، وشرف المؤمنين ، وتجارة المتقين ، وعمل المفلحين ، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم عز وجل ، ويقومون بين يدي خالقهم سبحانه وتعالى ، ويتوجهون إليه ، فيستغفرونه ويتوبون إليه ، ويسألونه من فضله ورحمته ، ويتضرّعون له ، ويَشكون إليه أحوالهم ، وضعفهم وعجزهم وفقرهم ، ويعكفون على مناجاته ، ويرغبون إلى عظيم عطاياه ، وكريم هباته ، وجزيل نواله ، ولا يحافظُ عليه إلا الموفقون , ولا ينافسُ فيها إلا السابقون .
ولقيام الليل فضائل كثيرة ، وثمرات جليلة ، تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة ، مذكورة في كتاب الله العظيم ، وسُنة نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه الثابتة ، نسوق منها ما تيسر ، لعل الله تعالى أنْ ينفعنا بها وإخواننا القراء :
فأولاً – إن قيامُ الليل من العبادات الجليلة ، والقُربات العظيمة ، التي يتقرّب بها العباد إلى ربهم ، وقد وصفهم الله بذلك في آيات كثيرة من كتابه الكريم ، كما في قوله سبحانه عنهم ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ) السجدة :16 .
قال مجاهد والحسن : يعني قيام الليل .
وقال عبد الحق الأشبيلي : أي تنبو جُنوبهم عن الفرش ، فلا تستقر عليها ، ولا تثبت فيها ، لخوف الوعيد ، ورجاء الموعود . انتهى .
وذكر الله عز وجل عباده المتهجّدين بالليل ، فقال ( كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) الذاريات : 17-18 .
قال الحسن : كابدوا الليل ، ومدّوا الصلاة إلى السَّحَر ، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار.
وقال تعالى في بيان درجتهم : ( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) الزمر:9 .
أي : هل يستوي مَنْ هذه صفته من القيام في الليل ، والرجاء لرحمة الله والحذر من عذابه ، مع من نام ليله وضيّع نفسه ؟ غير عالمٍ بوعد ربّه ولا بوعيده ؟! ولا مهتم له ولا به ؟!
والآيات في فضله كثيرة .
ثانيا – أنه سببٌ لنيلِ الجنة ودخولها ، وحسبك بها من فائدة ، قال تعالى : ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ثم بيّن أوصاف هؤلاء المتقين الذين دخلوا هذه الجنات ، فقال ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) آل عمران : 15-17 . فذكر أنهم يستغفرون الله تعالى في وقت السَّحر ، وهو وقت إجابة للدعاء ، قال الحسن : مدُّوا الصلاة إلى السحر ، ثم جلسوا يستغفرون الله ربهم .
وقال تعالى أيضا : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) السجدة :16-17.
وجاء ذلك في الحديث القدسي في قوله : ” أعددتُ لعبادي الصالحين ، ما لا عينٌ رأت ، ولا أُذنٌ سمعت ، ولا خَطَر على قلب بشر ” رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ” أيها الناس ، أفشُوا السلام ، وأطْعموا الطعام ، وصلُوا بالليل والناسُ نيام ، تدخلوا الجنة بسلام “. رواه الترمذي .
ثالثاً – أن قيامُ الليل ينهى صاحبَه عن ارتكاب الذُّنوب والمعاصي ، وفعل المنكرات ، ودليلُ ذلك قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت : 45 .
وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنَّ فلانًا يُصلِّي بالليل ، فإذا أصبحَ سرق ؟! قال : ” سَيَنْهاه ما تقول ” . رواه أحمدُ وابن حبان وصحَّحه الألباني .
والصلاةُ مطلقًا تنهى عن الفحشاء ؛ لكن قيامَ اللَّيْل له ميزةٌ خاصة في نهي صاحبه عن المعاصي ، كما في الحديث أيضا : قال صلى الله عليه وسلم : “عليكم بقيام الليل ، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم ، وقُربةٌ إلى الله تعالى ، ومنهاةٌ عن الإثم … ” أخرجه أحمد والتِّرمذيُّ والبيهقيُّ ، وقال العراقي : إسنادُه حسنٌ ، وحسَّنه الألبانيُّ أيضاً .
رابعاً – أنه من أسباب تكفير السيئات ، ومغفرة الذنوب والخطيئات ، كما في الحديث السابق ، قال صلى الله عليه وسلم : ” وتكفيرٌ للسيئات .. ” .
والصلاة عموماً من أسباب تكفير السيئات كما هو معلوم ، كما قال سبحانه وتعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود : 114 .
فالصلوات المفروضات ، وما ألحق بها من التطوعات والنوافل ، من أكبر الحسنات التي تذهبُ بالسيئات وتمحوها ، وهي الصغائر ، كما دلت عليه الأدلة ، أما الكبائر فلا تكفر إلا مع التوبة والندم والاستغفار .
وفي الحديث : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلٌ فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حداً فأقمه علي ، قال : ولم يسأله عنه . قال : وحضرت الصلاة فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قام إليه الرجل ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت حدَّاً فأقم فيّ كتاب الله . قال : ” أليس قد صليتَ معنا ؟ ” قال : نعم ، قال : ” فإنّ اللهَ غَفر لك ذنبك ، أو قال : حدّك ” رواه البخاري (6823 ) .
خامسا – أنه سبيلٌ إلى القيام بشكر نعم الله الكثيرة على العبد ، والشاكرون قد وعدهم الله تعالى بالزيادة ، كما قال تعالى: ( وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم :7 .
وقالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله علية وسلم يقوم من الليل ، حتى تتفطر قدماه ، فقلت له : لِمَ تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غُفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ قال : ” أفلا أكون عبداً شكوراً ؟! ” .متفق عليه .
وعن ابنِ عمرَ قَال : قَال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : ” نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ “. قال سالمٌ : فَكان عبدُ اللَّهِ بعدَ ذلك ، لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً . رواه البخاري ( 1121، 3738 ) ومسلم ( 2479).
سادساً – أنَّه يَطرد الداءَ والأمراض عن الجسد ، ويدفع الأسقام ، وأولُ داءٍ يطرده : داءُ العجز والكسل ؛ والهم والحزن ، وغيرها من أمراض القلوب والأبدان ، قال صلى الله عليه وسلم : “عليكم بقيام الليل .. إلى قوله : ومطردةٌ للداء عن الجسد ” الحديث ، وقد صحح هذه الزيادة بعض أهل العلم .
سابعاً – في قيام اللَّيل يَحْصُلُ للعبدُ كلِّ خيرٍ لدنياه وأُخراه ؛ فإنَّ في الليل ساعةً ، لا يوافقها عبدٌ يسأل الله تعالى خيراً من أمر دنياه وآخرته ، إلَّا أعطاه إيَّاه ؛ كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح : فعن جابر رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ من اللَّيلِ ساعةً ، لا يُوافقها عبدٌ مسلم ، يَسأل الله خيرًا إلا أعطاه إياه ، وذلك كلَّ ليلة ” أخرجه مسلم .
وإذا كان قيامه في الثلث الأخير من الليل ، كان ذلك أيضا في وقت استجابة الدعاء ، والتعرض للنفحات الإلهية ، ويكون سببا لإجابة دعائه ، وإعطائه سؤله ، وقت نزول الرب عز وجل إلى سماء الدنيا ، كما في الحديث الصحيح ، الذي رواه الشيخان وغيرهما : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم قال : ” ينزلُ ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقولُ : مَنْ يدعُوني فأستجيب له ، مَنْ يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ” . هذا لفظ البخاري في باب الدعاء والصلاة من آخر الليل .
وفيه : الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل ، وحصول الإجابة فيه .
فأصحابُ القيام مجابو الدعوة ؛ إذا استنصروا الله نصرهم ، وإذا استعاذوه أعاذهم ؛ وإذا سألوه أعطاهم ، وإذا استغفروه غفر لهم .
فلو سألتَ الله تعالى في ساعة الاستجابة ، التوفيقَ في أمورك كلِّها ، وقمتَ بين يدي ربِّك مستغفراً تائبا ، سائلا إياه أن يوفِّقَك لما يحبه ويرضاه ، لما ندمتَ أبدًا ؛ فإنَّ الله تعالى مالكَ الدُّنيا والآخرة ، المُعطي الباسط ، وهو وليُّك وكافيك وحسبُك ؛ فكيف تحزنُ أو كيف تقلق وإيَّاه قد دعوتَ ؟ وعليه توكلتَ وأنبت ؟! فهو مُجري السَّحاب ، وهازم الأحزاب ، ومذلِّل الصِّعاب ، ومدبِّر الكون ، ومقسِّم الأرزاق ، سبحانه من إلهٍ عظيم قادر قوي كريم وهاب .
وأيضا : قال صَلَّى اللَّهُ علَيه وسلَّم : ” أقربُ ما يكون الربُ من العبد ، في جَوف الليل الآخر ، فإنْ استطعت أنْ تكون ممن يذكر اللهَ في تلك الساعة ، فكن ” رواه الترمذي وابن خزيمة وصححه ، من حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه.
ثامنا – صاحب قيام الليل يصبح طيبَ النفس نشيطًا ، يُعان على عمله سائر يومه ؛ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ” يَعقدُ الشيطانُ على قَافية رأسِ أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضربُ مكان كل عُقدةٍ : عليك ليلٌ طويل فارقد ، فإنْ استيقظ فذكر الله انحلتْ عُقدة ، فإن توضأ انحلتْ عقدة ، فإن صلَّى انحلت عقدة ، فأصبحَ نشيطًا طيبَ النَّفْس ، وإلَّا أصبح خبيثَ النفس كسلان ” متفق عليه .
وصدق الصادقُ المصدوقُ ، فترى أصحابَ القيام لا يبدو عليهم الكسلُ ولا الخمول ؛ بل هم ذو نشاطٍ وهمةٍ وعمل ؛ بينما ترى أصحابَ النوم إلى الصباح ، لا يكادون يمدُّون أيديهم أو يثنون أرجلهم أو يقومون من مكانهم ، لفتورهم وكسلهم ، وما ذاك النشاط لصاحب قيام الليل والصلاة ، إلا عونٌ من الله تعالى للعبد ، لصلاته ومناجاته وتقرُّبه إليه ، حتى أصبح بصره وسمعه ويده ورجله .
تاسعا – ومن فضل القيام في الليل للصلاة والذِّكر ، ما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ تعارَّ من الليل فقال : لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ، له الملكُ وله الحمدُ ، وهو على كل شيء قدير ، الحمدُ لله ، وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله ُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله , ثم قال : اللهم اغفر لي , أو دعا ، اسْتجيبَ له ، فإنّ توضَّأ وصلى ، قُبلت صلاته ” رواه البخاريُّ .
فأصحابُ القيام ؛ فازوا بهذا الفضل الوارد بهذا الحديث ، إذا قالوا هذا الذكر الوارد.
عاشرا – أنه يُحصّل لصاحبه الثواب المضاعف من الحسنات ، فقليل القيام من الليل يُزيلُ عنه اسم الغفلة ، ووسطه يكسوه اسمَ القنوت والطاعة ، وكثيره يجلبُ له قناطير الأجر ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب من الغافلين ، ومنْ قام بمائة آيةٍ كُتب من القانتين ، ومنْ قام بألف آية كتب من المُقَنْطرين “. رواه أبو داود (1398 ).
الحادي عشر – القيامُ بالليل بالقرآن ، معينٌ على تثبيت القرآن في الصّدر ؛ وعدم نسيانه ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ” وإذا قام صاحبُ القرآن ، فقرأه باللَّيل والنهار ذكَره ، وإذا لم يَقُم به نَسيه ” رواه مسلم .
ويقول الله تعالى : ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ الليْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ) المزمل : 5-6 .
عن مجاهد : ( أشد وطئًا ) قال : مواطأة للقول ، وأفرغ للقلب .
قال الحسنُ : أثبتُ في القراءة ، وأقوى على القراءة . مختصر قيام الليل للمروزي .
الثاني عشر – أنه سبب في زيادة الرزق للعبد ودوامه بأنواعه ، قال تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ) طه : 132.
قال الإمام الطبري : (وأمُرْ) يا محمد ( أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) يقول: واصطبر على القيام بها ، وأدائها بحدودها أنت ( لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ) يقول : لا نسألك مالاً ، بل نكلفك عملاً ببدنك ، نؤتيك عليه أجراً عظيما وثوابا جزيلا ، يقول ( نَحْنُ نَرْزُقُكَ ) نحن نُعطيك المال ونُكسبكه ، ولا نَسألكه . انتهى
وهذا الخطاب وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه يدخل في عمومه جميع أمته .
وقال ابن كثير : ( نحن نرزقُك ) يعني إذا أقمت الصلاة ، أتاك الرزق من حيث لا تحتسب ، كما قال تعالى ( ومَنْ يتَّق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيثُ لا يحتسب) الطلاق : 2-3.
وقال تعالى ( وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون ) إلى قوله ( إنّ اللهَ هو الرزاقُ ذو القُوة المَتين ) الذاريات : 56- 58 . ولهذا قال ( لا نسألك رزقاً نحنُ نرزقك ) انتهى .
وقد روى الترمذي وابن ماجة : من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يقول الله تعالى : يا ابن آدم ، تفرّغ لعبادتي أملأ صَدرك غِنى ، وأسدّ فقرك ، وإنْ لم تفعل ملأتُ صدرك شُغلاً ، ولم أسدّ فقرك ” .
وروى ابن ماجة : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول :” مَنْ جَعلَ الهمومَ همّاً واحداً همّ المَعاد ، كفاه اللهُ همّ دنياه ، ومنْ تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا ، لم يُبال الله في أي أوديته هلك ” .
وروى أيضا : عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” مَنْ كانت الدنيا همّه ، فرّق اللهُ عليه أمره ، وجعلَ فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتب له ، ومَن كانت الآخرةُ نيته ، جمعَ له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدُّنيا وهي رَاغمة ” .
الثالث عشر – أنه يَكسو وجه صاحبه نُوراً ، فإنّ الجزاءَ من جنس العمل ، فإنهم لما قاموا في ظُلمة الليل يصلون ويتعبدون ، جازاهم الله بأنْ نوّر وجوههم ، قد قال سعيد بن المسيب رحمه الله : إنّ الرجل ليُصلي بالليل ، فيجعل الله في وجهه نوراً يحبه عليه كل مسلم ، فيراه من لم يره قط فيقول : إني لأحبُ هذا الرجل .
وقيل للحسن البصري رحمه الله : ما بالُ المتهجدين بالليل ، من أحسنِ الناس وجوهاً ؟ فقال : لأنهم خَلوا بالرحمن فألبسهم من نوره .
فالفوائد والثمرات المترتبة على قيام الليل كثيرة ، مباركة عظيمة ، قد ذكرنا منها ما تيسر ، نسأل الله تعالى أنْ يجعلنا من الصائمين القائمين ، القانتين الصالحين ، إنه سميع قريبٌ مجيب الدعاء .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم