حكم الزواج باليهودية
السؤال (158):
السؤال الأول: ما حكم الزواج من اليهودية المهاجرة إلى أرض فلسطين المغتصبة؟
الجواب:
الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وآله وصحبه، وبعد:
فليس بين أهل العلم اختلاف في جواز التزوج بحرائر نساء أهل الكتاب، لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحلّ لكم الطَّيِّباتُ} إلى قوله: {وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ الْـمُؤْمِنَاتِ وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قبلِكُمْ إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجورَهُنَّ} (المائدة: 5) والمحصنات هنا: هنَّ العفايف، كما أوضحه غير واحد، انظر تفسير ابن كثير(2/ 24) وحكاه عن الجمهور، وأحكام أهل الذمة (2/ 419) لابن القيم.
وصريح القرآن يدل على أنه للمسلم التزوج بالكتابية سواء كانت ذمية أو حربية، إذْ لا فرق بين الصنفين في الدخول تحت قوله تعالى: {وَالْـمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قبلِكُمْ} لكن لا بد من النظر في المصالح والمفاسد المترتبة على نكاح الكتابية، لا سيما إذا كانت حربية.
فقد روى ابن أبي شيبة والبيهقي (7/ 172) عن أبي وائل قال: تزوج حذيفة يهودية، فكتب إليه عمر: أنْ خلِّ سبيلها، فكتب إليه: إن كان حراماً خليت سبيلها، فكتب إليه: «إني لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن». إسناده صحيح.
وهذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الكراهة والتنزيه والاحتياط.
وقال الإمام مالك رحمه الله ـ كما في المدونة (4/ 156) ـ :أكره نكاح نساء أهل الذمة: اليهودية والنصرانية، وما أحرمه، وذلك أنها تأكل الخنزير وتشرب الخمر ويضاجعها ويقبلها، وذلك في فيها وتلد منه أولاداً فتغذي ولدها على دينها، وتطعمه الحرام وتسقيه الخمر.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الأم (5/ 7): ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم، لأن الله تعالى أحلّهنَّ بغير استثناء. وأحب إليَّ لو لم ينكحهنَّ مسلم.
ثم روى بسنده: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيراً، فلما رجعنا طلقناهن.
وقال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن: أن عطاء كره نكاح اليهوديات والنصرانيات، وقال: كان ذلك والمسلمات قليل.
قال الحافظ: وهذا ظاهر في أنه خص بالإباحة بحال دون حال. وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على الرخصة، وروى عن عمر: أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن. انتهى (الفتح: 9/ 417).
قال العلماء: إنما كره عمر وغيره من الصحابة الزواج بالكتابيات ومنعوا منه خشية الفتنة على الزوج أولاً، فربما قويت المحبة بينه وبين زوجته الكتابية فاستمالته إلى دينها، وكذلك خشية الفتنة على الأولاد فإنهم يميلون إلى أمهم أكثر، فربما صار هذا سبباً للتأثر بدين النصرانية أو اليهودية.
أما إذا لم يكن هناك خطر بأن كان الطمع في إسلامها كبير، فلا وجه للقول بالكراهة، والله تعالى أعلم.
السؤال الثاني: ما حكم ترجمة المصحف إلى لغة اليهود (العبرية)؟ وهل هناك فائدة من ذلك
الجواب: الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
أولاً: مما لا شك فيه أن القرآن نزل بشيراً ونذيراً للناس كافة، كما قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَـمِينَ نَذِيراً} (الفرقان: 1).
وقال سبحانه: {إنْ هوَ إلاَّ ذكرٌ للعَالَمينَ} (يوسف: 104).
وقال:{قُلْ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ ا&ِ إِليكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف: 158).
وقال سبحانه: {وَمَا أرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَـمِينَ} (الأنبياء: 107).
وكيف يكون كتابه للعالمين نذيراً، وهم لا يدركون معانيه؟ ولا يفقهون عباراته؟ وكيف يستطيع الأعجمي أن يتذكر به وهو لا يدري ولا يعقل ما يقرأ عليه؟
وهل إذا أبلغت عربياً بالإنجليزية، أو إنجليزياً بالعربية تكون قد أنذرته أو بشرته؟!
لا شك أن الإبانة هي التوضيح والتفسير، ولا يكون ذلك إلا بلغة المبلَّغ إليه، وقد أوضح ذلك القرآن في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4)، وقوله تعالى: {هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} (إبراهيم: 52)، أي: هذا القرآن بلاغ للناس جميعاً عربهم وعجمهم، ولا يكون بلاغاً لهم إلا إذا تُرجم لهم وفهموه، ووقفوا علي معانيه، لأن تبليغ القرآن لهم بلغة العرب غير معقول ولا مقبول ولا ميسور.
وخص الله تعالى أهل الكتاب بذلك، فقال عز من قائل: {يا أَهْل الكِتابِ قدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ على فترة من الرسل أن تقُولُوا مَا جاءَنا مِن بَشيرٍ ولاَ نذيرٍ فقد جاءكم بشير و نذير} (المائدة: 19).
فهذا الكتاب إذا لم يترجم ويتناوله سائر الناس، لم تقم علىهم حجة الله تعالى، ولم يستوجبوا عذاباً ولا عقاباً، بل كان شأنهم شأن أهل الفترة، كما قال عز وجل: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} (الإسراء: 15).
قال بعض أهل العلم: لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن العربي لأمة العرب، وقد بزَّ ببلاغته الفصحاء، وأخرس ببيانه البلغاء، فما آمن له منهم إلا قليل، فكيف بالأعاجم إذا هم كُلِّفوا بالعربية؟!
لذا نقول: إن ترجمة معاني المصحف اليوم بلغات شعوب الأرض واجب من واجبات الأمة الإسلامية، يحصل به خير عظيم عميم.
والله أعلم،
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.