أرشيف الفتاوى

صيام رجب وشعبان

السؤال:

ما حكم صيام شهر رجب وشعبان ورمضان متتابعا دون توقف ، هل ورد في السنة ذلك أم لا ؟ حيث أن بعض الناس عندنا في تايلاند يقولون إن هذا عمل صالح ، فلماذا نتوقف في الأعمال الصالحة ، فكيف نجيبهم ؟

الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين >
وبعد :
أما عن صيام شعبان مع رمضان فقد أخرج البخاري في صحيحه (4/213) – الفتح ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : – وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان )) .
وفي رواية عنها  قالت : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان ، وكان يصوم شعبان كله ، وكان يقول : ” خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ..” وهذا معنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان .
قال ابن الميارك : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول : صام الشهر كله ، ويقال قام فلان ليلته أجمع ، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره .
نقله الترمذي ثم قال : كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك ، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها ، وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال ( الفتح 4/214) .
وصوبه الحافظ ابن حجر ثم قال :  ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عند النسائي ولفظه : (( ولا صام شهرًا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان ))  وهو مثل حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا ، انتهى .
وحديث ابن عباس وهو قوله رضي الله عنه : (( ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهر كاملا قط غير رمضان ، ويصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر ، ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم )) .
وأصح ما قيل في الحكمة من إكثاره الصيام في شعبان : ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال : قلت  يا رسول الله ، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ! قال : (( ذلك شهر يغفل الناس عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )) .
ومال إلى هذا الحافظ في الفتح ( 4/215 ) .
ولا تعارض بين هذا وبين ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو بيومين ، وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني ، فإنه يحمل على من لم يعتد الصيام ، أما من اعتاد صيام شعبان فلا يشمله النهي .

وأما شهر رجب فلم يصح في فضل صوم رجب حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم ، بل قد صح عن عمر رضي الله عنه : (( أنه كان يضرب أكف المترجبين ( أي الذين يصومون في رجب ) حتى يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية )) رواه ابن أبي شيبة في المصنف .
وأخرجه مسلم : عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر : أرسلتني أسماء إلى عبد الله ابن عمر فقالت بلغني أنك تحرم أشياء ثلاثة :العلم في الثوب ، وميثرة الأرجوان ، وصوم رجب كله ، فقال لي عبد الله : أما ما ذكرت من رجب فكيف بمن يصوم  الأبد ؟! ” .
فجعل ابن عمر رضي الله عنه صوم رجب كله من الصيام الدهر المنهي عنه ، فلا بأس بأن يصوم منه .
وفي المغني لابن قدامة ( 4/429) : ويكره إفراد رجب بالصوم . قال أحمد : وإن صامه رجل ، أفطر فيه يوما أو أياما ، بقدر ما لا يصومه كله ، ووجه ذلك ما روى أحمد بإسناده عن خرشة بن الخر ثم ذكر أثر عمر السابقة .
قال : وبإسناده عن ابن عمر: أنه كان إذا رأى الناس وما يعدونه لرجب كرهه ، وقال : صوموا وأفطروا . وعن ابن عباس نحوه . وبإسناده عن أبي بكرة : أنه دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال : ما هذا ؟ قالوا : رجب نصومه ، قال : أجعلتم رجب رمضان ؟ فأكفأ السلال وكسر الكيزان ، قال أحمد : من كان يصوم السنة صامه ، وإلا فلا يصوم متواليا ، يفطر فيه ، ولا يشبهه برمضان ، انتهى .
فلا بأس إذًا بأن يصوم منه لكن لا يصومه كله .
والمسلم عليه أن يتحرى في عبادته الإخلاص أولا ، ثم متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكل عمل يخالف هديه وعمله فهو مردود ليس من الشرع ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ” متفق عليه  من حديث عائشة رضي الله عنها .
والله  أعلى أعلم ،،،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

زر الذهاب إلى الأعلى