التأويلات في زبدة التفسير
الحمد لله رب العالمين ؛ والصلاة والسلام على رسوله الأمين ؛ وآله وصحبه والتابعين ،،،
وبعد :
فهذه تنبيهاتٌ سريعةٌ على ما جاء في تفسير ” زبدة التفسير ” للشيخ محمد سليمان الأشقر رحمه الله ؛ وخصوصاً أنه يوزع بأعداد كبيرة في كثير من البلاد ؛ وكذلك طُبع بهامش المصحف ؛ وطبعته بعض الجهات الخيرية دون علم منها ؛ والله المستعان .
وقد وجدت أن الشيخ / محمد الأشقر عفا الله عنه ؛ قد تابع في كثير من الأسماء والصفات ؛ تأويلات تفسير القاضي الشوكاني رحمه الله في تفسيره ” فتح القدير ” ؛ ولم يعقّب عليها بشيء ؟! والشوكاني كثيراً ما يُؤول الصفات ؛ متابعاً للقرطبي رحمه الله .
وقد أحببتُ أنْ أُذكّر بها ؛ ليتنبّه لها طلبة العلم خُصوصاً ؛ والمسلمون عموما ؛ والله الموفق للصواب .
وبداية نقول : إن الشيخ الأشقر في كتابه هذا على أحوال :
1- فتارة يتابع الشوكاني فيما قال ؟ ولا يعلّق عليه بشيء ؛ فيذكر لازم الصّفة ؛ يعني آثارها مثلاً ؛ ويترك الملزوم ؛ وهو ظاهر الآية .
فيقول مثلا : ( وَجْه الله ) أي : ثوابه ؛ ولا يذكر أنّ ” الوجه ” صفةٌ من صفات الله تعالى .
2- وتارة يَسكت ؟! فلا يذكر تفسير الصفة مُطلقا ؛ مثل قوله تعالى : ( إنّ الله لا يَسْتحيي أنْ يَضْرب مثلاً ما بعوضةً فما فَوقها ) البقرة : 26.
فلم يذكر صفة ” الحياء ” لله تعالى مطلقاً ؛ ولا أشار إليها .
وفي قوله تعالى : ( وقالتِ اليَهودُ يدُ اللهِ مَغْلُولةٌ ) المائدة : 64.
وفي قوله تعالى : ( تَبْاركَ الذي بيدِهِ المُلْك ) الملك : 1. لم يذكر صفة “اليد ” لله عز وجل .
وفي قوله سبحانه : ( سبِّح اسمَ ربّكَ الأعْلَى ) الأعلى : 1 . لم يذكر علو ذاته سبحانه على خَلْقه .
3- وتارةً قد يأتي بالصحيح في تفسيرها على منهج أهل السُّنة والجماعة ؛ وإنْ كان عَرَضا ؛ ويضعه بين قوسين ؛ ويُهمل كلام الشوكاني الواضح في تأويل الصفة .
كما في قوله تعالى : ( أو يأتِي ربُّك ) الأنعام : 158 ؛ قال : يوم القيامة لفَصل القَضاء بينهم .
* وهذه بعض الأمثلة من الكتاب ؛ للآيات التي وقع فيها التأويل للصفات ؛ وليست على سبيل الإسْتقراء للكتاب كلِّه :
1- في قوله تعالى : ( فإنَّ اللهَ لا يُحبُّ الكافِرين ) آل عمران : 32 .
قال الأشقر متابعاً الشوكاني : كناية عن البُغض والسّخط عليهم ؟
والحبُّ والبغض : صفتان حقيقيتان ؛ ثابتتان لله تعالى .
2- في قوله تعالى : ( وهو القَاهِرُ فوقَ عِبَاده ) الأنعام : 18.
قال الأشقر متابعاً الشوكاني في “فتح القدير” : فوق عباده : بفوقية الإسْتعلاء بالقهر والغلبة عليهم … الخ ما قال .
قلت : ذكر نوعاً واحداً من أنواع العُلو ؛ وهو علو القهر ؛ فأين علو الذات ؛ وعلو القَدْر والصفات ؟
3- في قوله تعالى : ( الكبيرُ المُتَعَال ) الرعد : 9.
قال الأشقر مُتابعاً الشوكاني : المُتَعال ؛ أي : المُسْتعلي على كلِّ شيء ؛ بقُدرته وعظمته وقهره .
وفيها ما في سابقها أيضا .
4- في قوله تعالى : ( كلُّ شيءٍ هَالكٌ إلا وَجْهَه ) القصص : 88.
قال الأشقر متابعا الشوكاني : أي : إلا ذاته .
ولم يُعلّق عليه بشيء ؟
5- وكذا في قوله تعالى : ( ويَبْقى وَجْهُ ربّك ) سورة الرحمن : 27.
قال الشوكاني : الوجه عبارةٌ عن ذاته سُبحانه ووجوده ؟
وهو تأويل ظاهر ؛ ولم يتعقّبه بشيء ؛ ولم يُثبت صفة “الوجه” ؟
6- في قوله تعالى : ( تُريدُونَ وَجْه الله ) الروم : 39.
قال الأشقر : تريدون ما عند الله .
وفيها ما سبق .
7 – في قوله تعالى : ( أنْ اصْنع الفُلك بِأعْيننا ) المؤمنون :27.
قال الأشقر متابعا الشوكاني : بحفظنا وكلاءتنا .
ولم يبين أنّ “العينَ” صِفةٌ لله تعالى ، ثابتةٌ في الكتاب والسُّنة .
8- وكذا في قوله تعالى : ( فإنَّك بِأعْيننا ) الطور : 48.
قال الشوكاني : بمَرْأى ومَنْظرٍ منَّا ؛ وفي حِفظنا وحمايتنا .
وفيها ما سبق .
9- وكذا في قوله تعالى : ( تَجْري بِأعْيننا ) القمر : 14.
قال الشوكاني : بمنظرٍ ومَرْأى منّا ؛ وحفظ لها .
وفيها ما سبق .
10- في قوله تعالى : ( ولتُصْنعَ عَلى عَيْني ) طه : 39.
قال الشوكاني : ولِتَتَربَّى بمَرْأى منِّي .
زاد الأشقر : ورعايةً خاصةً بك ؛ فقط ؟!
وفيها ما سبق .
11- قوله تعالى : ( واصْنع الفُلْك بأعيننا ) هود : 37.
قال الأشقر: أي : اعمل السفينة بمرأى منّا .
وعبارة الشوكاني : اعْمل السفينة مُتلبساً بأعيننا ؛ أي بمَرأى منّا ؛ والمراد بحراستنا لك ؛ وحفظنا لك . وعبّر بالأعين لأنّها آلة الرُّؤية ؛ والرؤية هي التي تكون بها الحِرَاسة والحِفظ في الغالب ؛ وجمع الأعْين للتعظيم لا للتكثير .
وفيها تأويلٌ واضحٌ للصفة .
12- قال تعالى : ( قُلْ اللهُ أسْرعُ مَكْراً ) يونس : 21.
قال الأشقر : أي : أعْجل عقوبة . وهي عبارة الشوكاني ؛ وقال بعدها : وتسمية عُقوبة الله مَكراً ؛ من باب المشاكلة ؟
والصحيح : أنَّ ” المَكْر ” صفةٌ لله تعالى ؛ فهو يَمكر بأعدائه ؛ وأعداء أوليائه مِنْ حيث لا يشعرون .
13- في قوله تعالى : ( تَبَارك الذِي بِيدِه المُلك ) الملك :1.
قال الشوكاني : واليدُ مجازٌ عن القُدرة والاسْتيلاء ؟!
وهذا تأويل لصفة اليد ؛ على مذهب الجَهمية والأشاعرة .
والأشْقر لم يَذْكر في تفسير ” اليد ” شيئاً ؛ بل سكت عنها .
وهي طريقته في بعض الآيات ؛ أنْ يَسكتَ عن تفسيرها ؛ وطريقة السلف : الكلام في معاني الصفات ؛ والسُّكوت عن كيفيتها .
14- قوله تعالى : ( سبِّح اسْمَ ربِّك الأعْلى ) الأعلى : 1.
سكت الأشقر عن تفسير الأعلى ؟ وهو اسمٌ من أسماء الله تعالى ؛ دالٌ على علوه سبحانه على خَلَقه .
15- قوله تعالى : ( أَمْ أَرَدتُّمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ) طه : 86.
قال : أي : يلزمكم وينزل بكم العقوبة والنقمة .
فسّر الصّفة بلازمها وليس بالملزوم ؛ وقد تابع فيها الشوكاني إذْ قال : ” يلزمكم غضبي ، وينزل بكم “. ولم يعقب على ذلك ؟
16- قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم ) المجادلة : 14.
فسّرها فقال : المغضوب عليهم هم اليهود .
فاقتصر على ذلك ؛ ولم يذكر تفسير الغضب ؛ بل سكت عنه .
17- وكذا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) الممتحنة : 13.
قال الأشقر : هم جميع طوائف الكفر ، وقيل : اليهود خاصة .
ولم يتعرّض لتفسير الغضب مطلقا .
– بينما في قوله تعالى : ( وغَضِب اللهُ عليه ولَعَنه ) النساء : 93 ؛ قال : وأنّ غضبَ الله عليه ولعنته ..
– وفي قوله تعالى : ( والخَامِسةَ أنَّ غَضبَ اللهِ عَلَيها ) النور : 9 . قال : إنْ كان الزوج من ( الصادقين ) … ثم قال : وتخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها …
ولم يُثبت صفة ” الغضب ” في الآيات السابقة .
– وكذا في قوله تعالى : ( وغَضبَ اللهُ عَليهِم ولَعَنهُم ) الفتح : 6 ، ذكر الآيات فقط ولم يفسرها بشيء !
18 – أثبت صفَة الاستواء : كما في قوله تعالى : ( ثم استوى على العرش ) الأعراف : 54 .
أثبت الاستواء ؛ فقال : والاستواء : هو العلو والاستقرار ؛ والله أعلم بكيفية ذلك ؛ بل على الوجه الذي يليق بجلاله تعالى … ثم ذكر الأثر عن مالك .
وهو اختيار الشوكاني إذْ قال : وأحقّها وأوْلاها بالصواب : مذهب السلف الصالح : أنه استوى سبحانه عليه بلا كيف …
19- أما آيات المَجِيء والإتْيان ؛ فقد أثبتها : ففي قوله تعالى : ( هلْ ينظرُون إلا أنْ يأتيهم الله في ظُللٍ من الغَمام ) البقرة : 210 . أثبت الإتيان لله تعالى .
قال الأشقر : هل ينتظر التاركون للدخول في السّلم إلا يأتيهم الله ( لفصل القضاء ) وللحساب والعذاب .
– وفي قوله تعالى : ( هلْ ينظرُونَ إلا أنْ تَأتيهُم المَلائكةُ أو يَأتيَ ربُّك ..) الأنعام : 158.
قال الأشقر : ( أو يأتِي ربُّك ) يوم القيامة لفَصْل القَضاء بينهم .
وقد خالف الشوكاني في ذلك ؛ أو اختار القول الذي ذكره الشوكاني من ضمن الأقوال ولم يرجّحه .
وهو الذي عليه أهل السُّنة والجماعة من المجيء والإتيان يوم القيامة ؛ لفصل القضاء ؛ وأنها من صفات الأفعال التي يفعلها متى شاء سبحانه ؛ فيجب الإيمان بذلك على حقيقته .
20 – في قوله تعالى : ( يومَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) القلم : 42 .
قال : يكشف الله عز وجل عن ساقه ؛ دلالة على شدّة الأمر . أخرج البخاري وغيره : عن أبي سعيد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” يَكشفُ ربّنا عن ساقه ؛ فيسجد له كلُّ مؤمن ومؤمنة …” . انتهى
وقد خالف الشوكاني في ذلك ؛ فقد قال : عن شدّة الأمر !
هذا ما تيسر بيانه … والله المُوفّق للصواب لا ربّ سواه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم