حكم التداوي بالمحرمات
السؤال ( 103 )
ما حكم الدواء المستخلص من الخنزير ، حيث أن المريض بحاجة ماسة له ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،،،
وبعد :
الصحيح أنه لا يجوز التداوي بالمحرمات والنجاسات ، كالميتة أو الخنزير أو الدم أو الخمر وما شابه ذلك ، للأدلة الآتية :
1-قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ) ( المائدة : 2) .
2-قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ( المائدة : 90 ) .
3-حديث ابن عباس ، أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير . رواه مسلم .
ووجه الدلالة من هذه الأدلة : أنها عامة في حال التداوي وغيره ، فمن فرق بين حال التداوي وغيره ، وخصص العموم ، فقد خالف قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .
4-حديث أبي هريرة ، قال :نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث . رواه أبو داود (3721) والترمذي (2045) وابن ماجة ( 3459) .
5-حديث طارق بن سويد الجعفي ، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر ، فنهاه أو كره أن يصنعها ، فقال : إنما أصنعها للدواء ! فقال صلى الله عليه وسلم : ” إنه ليس بدواء ، ولكنه داء ” رواه مسلم .
6-وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم .
رواه البخاري موقوفا ، ووصله الإمام أحمد في الأشربة ، والطبراني في الكبير والحاكم (4/218) وإسناده صحيح .
والدلالة من هذه الأحاديث : أنه صلى الله عليه وسلم قد حرم التداوي بالخمر ، بل قال : إنها داء ، وهذا نص في الخمر ، فيقاس عليها سائر المحرمات والنجاسات ، بجامع الخبث والتحريم فيها كلها .
وخبر ابن مسعود بأن الله عز وجل لم يجعل الشفاء في محرم ، وهذا عام في كل محرم ، وهو مما لا يقال بالرأي ، فله حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذا النهي عن الدواء الخبيث ، وهو يؤكد ما سبق من تحريم كل دواء خبيث ( محرم أو نجس ) .
7 – والنظر الصحيح يقتضي المنع من التداوي بالدواء المحرم والنجس ، قال الإمام الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى :
المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا ، أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها ، وأما العقل ، فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه ، فإنه لم يحرِّم على هذا الأمة طيبا عقوبة لها ، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) ( النساء : 160 ) .
وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه ، وتحريمه له حمية لهم ، وصيانة عن تناوله ، فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل ، فإنه وإن أثر في إزالتها ، لكنه يعقب سقما منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه ، فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب .
ب-وأيضا : فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق ، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته ، وهذا ضد مقصود الشارع ، وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة ، فلا يجوز أن يتخذ دواء .
ج-وأيضا : فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث ، لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا ، فإذا كانت كيفيته خبيثة ، اكتسبت الطبيعة منه خبثا ، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته ، ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة ، لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفه .
د-وأيضا : فإن في إباحة التداوي به ، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه ، ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة ، لا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها مزيل لأسقامها جالب لشفائها ، فهذا أحب شيء إليها ، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن ، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله ، وفتح الذريعة إلى تناوله تناقضا وتعارضا هـ- وأيضا : فإن في هذا الدواء المحرم من الأدواء ما يزيد على ما يظن فيه من الشفعاء ، ولنفرض . الكلام في أم الخبائث التي ما جعل الله لنا فيها شفاءً قط ، فإنها شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز العقل عند الأطباء .
ثم قال : و هاهنا سر لطيف في كون المحرمات لا يستشفي بها ، فإن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول ، واعتقاد منفعته ، وما جعل الله فيه من بركة الشفاء ، فإن النافع هو المبارك ، وأنفع الأشياء أبركها ، والمبارك من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث حل ، ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها ، وبين حسن ظنه بها ، وتلقي طبعه لها بالقبول ، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا ، كان أكره لها ، وأسوء اعتقادا فيها وطبعه أكره شيء لها ، فإذا تناولها في هذه الحال ، كانت داء له لا دواء ، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها ، وسوء الظن والكراهة لها بالمحبة ، وهذا ينافي الإيمان ، فلا يتناولها المؤمن قط ، إلا على وجه الأداء ، والله أعلم .
وبما ذكرناه يتضح الجواب لك جليا ،،،
والله سبحانه وتعالى أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .