حكم أخذ الزكاة ممن مكسبه من الحرام
حكم أخذ الزكاة ممن مكسبه من الحرام
السؤال ( 106 )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حكم أخذ الزكاة من الرجل الذي يشتغل في البنك الربوي حيث أن كسبه حرام ؟
وهل يجوز الأكل والشرب من بيته ، لأنه ملعون بلسان المصطفي صلى الله عليه وسلم ؟
أرجو منكم الجواب مع الدلائل القرآنية والأحاديث النبوية . ولكم جزيل الشكر .
الجواب :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد :
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الزكاة ( 2/703 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أيها الناس ، إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ( المؤمنون : 51 ) .
وقال : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنَ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ( البقرة :172 ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر ، أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ! يا رب! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغُذِّيَ بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟
وقد بوب عليه النووي : باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ، وقال في شرحه ( 7/100 ) : وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهي على الإنفاق من غيره ، وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ، ينبغي أن يكون حلالا خالصا لا شبهة فيه ، وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره . انتهى
وعليه ، فالظاهر من الأدلة أن الزكاة من المال الحرام لا تُقبل ، لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ، والمال الحرام خبيث .
أما الأكل والشرب من بيت مَن ماله حرام ، أو ماله مختلط ففيه تفصيل ، وقد بحثه الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى في ( جامع العلوم والحكم ) في شرحه لحديث : ” الحلال بين ، والحرام بين .. ” فقال :
ويتفرع على هذا معاملة من ماله حلال وحرام مختلط ، فإن كان أكثر ماله الحرام ، فقال أحمد : ينبغي أن يجتنبه إلا أن يكون شيئا يسيرا ، أو شيئا لا يعرف ، واختلف أصحابنا : هل هو مكروه أو محرم ؟ على وجهين .
وإن كان أكثر ماله الحلال ، جازت معاملته والأكل من ماله . وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعاملون المشركين وأهل الكتاب ، مع علمهم بأنهم لا يجتنبون الحرام كله .
وإن اشتبه الأمر فهو شبهة ، والورع تركه . قال سفيان : لا يعجبني ذلك ، وتركه أعجب إلي .
وقال الزهري ومكحول : لا بأس أن يؤكل منه ما لم يعرف أنه حرام بعينه ، فإن لم يعلم في ماله حرام بعينه ، ولكنه علم أن فيه شبهة ، فلا بأس بالأكل منه ، نص عليه أحمد في رواية حنبل .
وذهب إسحاق بن راهويه إلى ما روي عن ابن مسعود وسلمان وغيرهما من الرخصة ، وإلى ما روي عن الحسن وابن سيرين في إباحة الأخذ مما يقضى من الربا والقمار ، نقله عنه ابن منصور .
وقال الإمام أحمد في المال المشتبه حلاله بحرامه : إن كان المال كثيرا ، أخرج منه قدر الحرام ، وتصرف في الباقي ، وإن كان المال قليلا ، اجتنبه كله ، وهذا لأن القليل إذا تناول منه شيئا ، فإنه تبعد معه السلامة من الحرام بخلاف الكثير ، ومن أصحابنا من حمل ذلك على الورع دون التحريم ، وأباح التصرف في القليل والكثير بعد إخراج قدر الحرام منه ، وهو قول الحنفية وغيرهم ، وأخذ به قوم من أهل الورع منهم بشر الحافي .
ورخص قوم من السلف في الأكل ممن يعلم في ماله حرام ، ما لم يعلم أنه من الحرام بعينه ، كما تقدم عن المكحول والزهري . وروى مثله عن الفضيل بن عياض .
وروي في ذلك آثار عن السلف ، فصح عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية ، ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه ، يدعوه إلى طعامه ، قال : أجيبوه ، فإنما المهنأ لكم والوزر عليه .
وفي رواية أنه قال : لا أعلم له شيئا إلا خبيثا أو حراما ، فقال : أجيبوه ، وقد صح الإمام أحمد هذا عن ابن مسعود .
وروي عن سلمان مثل قول ابن مسعود الأول ، وعن سعيد بن جبير ، والحسن البصري ، ومورق العجي ، وإبراهيم النخعي ، وابن سيرين وغيرهم ، والآثار بذلك موجودة في كتاب (( الأدب )) لحميد بن زنجويه ، وبعضها في كتاب (( الجامع )) للخلال ، وفي مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة وغيرهم .
ومتي علم أن عين الشيء حرام ، أخذ بوجه محرم فإنه يحرم تناوله ، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره . انتهى بشيء من الاختصار .
وعلى هذا ، فالموظف في البنك الربوي ماله حرام بعينه ، فيحرم الأكل من ماله ، إلا إذا كان له مصدر رزق آخر ، فإنه يجوز كما سبق من أقوال الصحابة وأهل العلم .
والله سبحانه أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .