حُكْمُ الطّلاق ثلاثاً
السؤال (399): رجلٌ طلقَ امرأتَه ثلاثاً بكلمةٍ واحدة، فهل تقع ثلاثاً، أم واحدة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
وبعد:
فإذا طَلقَ الرّجلُ امرأته ثلاثاً بكلمةٍ واحدة، كأنْ يقولَ لها: أنتِ طالقٌ بالثّلاث، أو أنتِ مُطلّقةٌ بالثّلاث، أو أنتِ طَالقٌ طَالقٌ طالق، فهو مُحرّم بالاتّفاق، وتَعدٍّ لحُدُود الله تعالى، قال سبحانه: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ* فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة: 229-230.
فقوله: (الطلاقُ مَرّتان) حصْر له، فقد كان طلاقُ الجاهلية غير مَحْصورٍ بعددٍ، فحَصَر اللهُ تعالى الطلاق بثلاثٍ، فذكر في هذه الآية طَلقتين، وذكر الثَّالثة في الآية الأخرى، وهي قوله: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فلا تحلُّ له منْ بعد حتّى تنكح زوجاً غيره) الآية.
وقيل المعنى في الآية: الطَّلاق الذي يُملك فيه الرَّجعة مرَّتان، (فإمساكٌ بمَعْرُوف) يعني: إذا رَاجعها بعد الطَّلقتين؛ فعليه إمساكٌ بما أمَرَ الله تعالى مِنَ المعروف، (أو تَسْريحٌ بإحْسان) وهو أَنْ يَتَركها حتى تَبِينَ منه بانقضاء العِدَّة، ولا يراجعها إضْراراً بها.
ثمّ قال تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أَيْ: هَذِهِ أَوَامِرُ اللَّهِ ونواهيه، وحُدُود الله التي مَنَعَ الشَّرْعُ مِنَ المُجَاوَزَةِ عَنْهُا، فلا تَعْتَدُوها، ولَا تُجَاوِزُوهَا، (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
* وهل إذا طَلّقَ الزّوج ثلاثاً؛ يَقعُ عليه ثلاثاً، أمْ واحِدة؟
فقد ذَهبَ كثيرٌ مِنْ أهلِ العلم إلى أنّها تَقع بها الثلاثُ على المرأة، وتحْرُم على زوجها بذلك حتى تَنكح زوجاً غيره، نكاح رغبةٍ، لا نكاحَ تَحْليل، ويَطَأها ثمّ يُفارقها بمَوتٍ أو طلاق.
واحتجُّوا على ذلك: بأنّ عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه: أمْضَاها على الناس، كما سيأتي.
وذهبَ آخرون منْ أهل العلم، إلى أنّها تُعْتبرُ طَلقةً واحدةً، وله مُراجعتها ما دامتْ في العِدّة، فإنْ خَرَجت مِنَ العدّة، حلّتْ له بعقدٍ جديد.
واحتجُّوا على ذلك: بما ثبتَ في صحيح مسلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان الطَّلاقُ على عَهْد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعهد أبي بكر رضي الله عنه، وسَنَتين مِنْ خِلافة عمر رضي الله عنه، طلاقُ الثلاثِ واحدة، فقال عُمر: إنَّ الناسَ قدْ اسْتَعجلُوا في أمْرٍ كانتْ لهم فيه أَنَاةٌ، فلو أمْضَيناه عليهم، فأمْضَاه عليهم”. رواه مسلم (2/1099).
وفي رواية أخرى لمُسلم: أنّ أبا الصَّهْباء قال لابن عباس رضي الله عنهما: ألمْ تَكنْ الثلاثُ تُجْعلْ واحدة، في عَهْد النّبي صلى الله عليه وسلم، وعَهْد أبي بكر رضي الله عنه، وثلاث سنين مِنْ عَهد عُمَر رضي الله عنه؟ قال: بلى.
وحملوا هذا الحديث والذي قبله؛ على الطّلاق بالثلاث بكلمة واحدة، جمعاً بينه وبين قوله تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ)، وقوله عز وجل: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الآية، البقرة: 230.
وذهبَ إلى هذا القول ابن عباسُ رضي الله عنهما في روايةٍ صحيحةٍ عنه، ويروى أيضاً عن عليّ، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام رضي الله عنهم جميعاً.
وبه قال جماعةٌ من التابعين، ومحمد بن إسحاق صاحب السيرة، واختاره شيخُ الإسْلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، وهو الذي يُفتي به جماعةٌ من العلماء المعاصرين، لأنه الذي كان عليه العملُ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولمَا فيه مِنَ العمل بالنُّصُوص كلّها، ولمَا في ذلك أيضاً مِنَ الرفق والرحمة بالمسلمين، والرفق بأسرهم وأولادهم.
والله تعالى أعلم،،،
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم