لا تكن مثبطا
لا تكن مثبطا … ولا تكن مطبلا !!!
وإنما بين التثبيط … والتطبيل !!!
ناقل الكذب والمروج له بين المؤمنين ، سواء علم أنه كذب أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص ، هو أحد الكاذبين ، لأنه معين على الشر والعدوان ، ناشر للإثم والظلم ، وقد قال ربنا عز وجل ناصحاً لعباده ومحذراً لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6) .
قال سبحانه : ( لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ) ( النور: 12) .
قال: ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (النور: 15 ـ 18).
وفي الصحيحين : عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها ، يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب “.
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ، ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته ” رواه أبو داود والترمذي وأحمد .
وبعد :
فقد تعقب البعض علمائنا في أقوالهم وفتاويهم ، حول الأحداث الأخيرة التي قامت في أرض فلسطين ، خلصها الله تعالى من براثن المعتدين ،،،
وهي تعقيبات ليس فيها مناقشة أدلة من الكتاب والسنة الشريفة حول هذا الموضوع المهم ، ولكنها لم تتوافق مع أهواء بعض الأحزاب والجماعات ، والتي تريد من الجميع التصفيق لها في كل ما تأتي وتذر ؟!
وفي بعضها تقرير فضل الجهاد – وليس هو موضوعنا – وتمتلئ بالحماس والغيرة والعاطفة ، لكنها لم تُبن على قواعد الأدلة ، وأسس الملة ، فكانت غِيرة – بالكسر – على نصوص الشرع ومعارضة لها بالرأي والعقل !! مع وضع بعض النصوص في غير مواضعها .
مع اتهامات بأنواع التهم للأهل العلم والفضل ، من : عدم الوعي – تقديم خدمات مجانية للعدو – والتثبيط وهدم العزائم والهمم – الخنوع – موافقة الظلمة – لا توجد الفتوى الشجاعة … إلخ تلك التهم في مقالات كثير من المتحمسين هداهم الله ، وهو ما لا نشغل أنفسنا بالرد عليها ، لأنها تهم جاهزة لكل من أراد أن يخالف هذا النوع من الشباب المستعجل لقطف الثمرة قبل بُدُو صلاحها !! وقد سمعناها منهم مراراً ، والحمد لله على كل حال .
ولم يقف الأمر عند هذا ! بل تجاوز بعضهم إلى وصف ملايين المسلمين ! بأنهم : يستمرؤون الخنوع ، ويأبون مناصرة إخوانهم حتى بالكلمة الطيبة ، ونسوا إخوانهم ، ولا تهمهم إلا دنياهم ، وغير ذلك ، فلا حول ولا قوة إلا بالله !
فالجهاد في سبيل الله تعالى عبادة عظيمة لها ضوابطها الشرعية المتقررة بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة ، من تجاوزها كان متبعا لهواه لا رضا مولاه ، مبتدعا خارجا عن السنن النبوية والاقتداء .
وقد كتب العلماء في التفريق بين حكم الجهاد بحسب نوعه ،
فالجهاد في سبيل الله على نوعين فرّق الشارع بينهما في الحكم ، وهما:
النوع الأول : جهاد الدفع.
النوع الثاني: جهاد الطلب والدعوة .
فجهاد الدفع واجب متعين على كل من نزل العدو بأرضه ، بحسب قدرته واستطاعته .
أمّا جهاد الدعوة والطلب فإنه فرض كفاية ، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الآخرين، فلا يتعين هذا النوع من الجهاد على كل أحد .
وقد ذكر العلماء رحمهم الله ثلاثة أحوال يكون فيها الجهاد فرض عين ، وهي :
الأولى : في حال نزول العدو في أرض ، فإنه يجب على كل مسلم منهم دفع ، وهو جهاد الدفع .
والثانية: إذا عين الإمام ( ولي الأمر ) أشخاصاً بأعيانهم للجهاد .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: ” لا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا” .
الثالثة: عند مواجهة العدو ولقائه ، بشرط أن لا يزيد عدد العدو عن ثلاثة أضعاف المسلمين ، كما قال تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:66) .
فإذا كان الكفار ثلاثة أضعاف المسلمين ، فإنه لا يجب عليهم القتال حينئذ ، وجاز لهم الفرار ، هذا في جهاد الطلب والدعوة .
– أما عدم اشتراط إذن الإمام في جهاد الدفع ، إنما هو إذا فاجأ العدو أهل البلد ؛ فتعذر عليهم الرجوع إليه لدفع العدو ، أمّا إذا لم يتعذر فالأصل الرجوع إلى الإمام ، والجهاد معه ، والقتال من ورائه ، كما فعل المسلمون لمّا حاربهم المشركون في معركة الخندق .
قال عبدالله بن الإمام أحمد : سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ , القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا .
قلتُ لأبي : فإن خرجوا بغير إذن الإمام ؟ قال: لا , إلا أن يأذن الإمام , إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين” .
قال ابن قدامه رحمه الله معلقا: ” لأن أمر الحرب موكول إليه ، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم ، ومكامن العدو وكيدهم ، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه , لأنه أحوط للمسلمين ، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم ، فلا يجب استئذانه ، لأن المصلحة تتعين في قتالهم , والخروج إليهم ، لتعين الفساد في تركهم ، لذلك لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم; فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجاً من المدينة ، تبعهم فقاتلهم من غير إذن، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ” خير رجالنا سلمة بن الأكوع ” وأعطاه سهم فارس وراجل ” اهـ.
– وعدم القدرة على العدو في جهاد الدفع ، تجوز الدخول معه في صلح ، إذا رأى الإمام ذلك ، والحال في ذلك كالحال في جهاد الطلب . كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم; في صلحه مع المشركين في صلح الحديبية ، ولم يقاتلهم عن مكة ، وأموال المسلمين فيها.
– وعدم القدرة على قتال العدو يجوز معها ترك قتاله ، كما قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة .
وكما سيأمر الله سبحانه وتعالى نبيه عيسى عليه الصلاة والسلام ، وذلك في قوله في الحديث : ” إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرِّز عبادي إلى الطور”. والحديث في الصحيح .
فهذه بعض الكلمات في هذا الموضوع الخطير ، ونرجو من الله سبحانه أن يهدينا جميعا سواء السبيل .
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين