أرشيف الفتاوى

زواج المتعة ؟؟!

السؤال :

ما حكم زواج المتعة ؟ وهل كان في أول الإسلام مباحا ؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ،
وآله وصحبه والتابعين ،،،
وبعد :

فالزواج في الإسلام عقد متين ، وميثاق غليظ ، يقوم على نية العشرة المؤبدة من الطرفين ، لتتحقق ثمراته العظيمة التي ذكرها الله تعالى في القرآن من السكن النفسي والمودة والرحمة ، كما في قوله ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ( الروم : 21 ) .
فالزواج آية من آيات الله العظيمة ، الدالة على رحمته ، وعنايته بخلقه .

وغاية الزواج استمرار النسل ، وبقاء النوع الإنساني ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُم أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ) ( سورة النحل : 72 ) .
ثم قضاء الوطر المباح ، الذي هو من حاجات الإنسان الغريزية ، وبالتالي إحصان الفرج والبعد عن الحرام .

أما زواج المتعة ، فهو استمتاع الرجل بامرأة لمدة يحددانها ، بمقابل أجر معين !!
فلا يتحقق فيه أي معنى من المعانى التي أشرنا إليه .

وقد كان أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يستقر التشريع في الإسلام ، أجازه في السفر والغزوات ، ثم نهى عنه وحرمه على التأبيد بأمر الله تعالى .

وقال أهل العلم : السر في إباحته أولا أن القوم كانوا في مرحلة يصح أن نسميها :فترة انتقال ، من الجاهلية إلى الإسلام ؛ وكان الزنى في الجاهلية ميسرا منتشرا .
فلما كان الإسلام ، واقتضاهم أن يسافروا للغزو والجهاد ، شق عليهم البعد عن نسائهم مشقة شديدة ، فخيف عليهم أن يتورطوا في الزنى ، وأخبث به فاحشة وساء سبيلا .
بل جاء في صحيح مسلم في كتاب النكاح ( 1404 ): أن بعض الصحابة عزموا على أن يخصوا أنفسهم ، أو يجبوا مذاكيرهم – أي يقطعوها – كما قال ابن مسعود رضي الله عنه : ” كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء – وفي رواية : ونحن شباب – فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل “.

وبهذا كانت إباحة المتعة رخصة لحل مشكلة في أول الإسلام ، وخطوة في سير التشريع إلى الحياة الزوجية التامة والكاملة ، والتي تتحقق فيها كل أغراض الزواج من إحصان وعفاف ، واستقرار وحصول النسل ، والمودة والرحمة ، واتساع دائرة العشيرة بالمصاهرة كما لا يخفى .

وكما تدرج القرآن بهم في تحريم الخمر ، وتحريم الربا ، وقد كان لهما انتشار وسلطان في الجاهلية ، تدرج النبي صلى الله عليه وسلم بهم كذلك في تحريم الفروج ، فأجاز لهم عند الضرورة المتعة ، ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم هذا النوع من الزواج .
كما جاء ذلك عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم في أحاديث صحيحة متلقاة عند الأمة بالقبول والعمل .

أما حديث علي رضي الله عنه : فرواه مسلم ( 1407 ) في النكاح : عن الحسن وعبدالله ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خبير ، وعن أكل لحوم الحمر الأهلية .
وفي رواية : أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس رضي الله عنهما : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خبير ..

ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه : عن سبرة الجهني رضي الله عنه : ” أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء .
قال :  فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم “.
وفي لفظ من حديثه : أنه كان مع  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ” يا أيها الناس ، إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا  ” .
” وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة “.
وفي لفظ : ” ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن ” .

وفيه أيضا ( 2/ 1023 ) : عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ، ثم نهى عنها .

فهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة ، تصرح بالنسخ والتحريم لنكاح المتعة ، والناسخ والمنسوخ قد ذكرا في حديث واحد ، وهو من أقوى الأدلة على النسخ ، كما هو مقرر في الأصول .
وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : ” كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزورها ” رواه مسلم .

وقد اتفق العلماء كافة ، على أن المتعة كانت حلالا أول الإسلام ثم حرمت ، وأنها لا طلاق فيها وإنما يحصل الفراق فيها بانقضاء الأجل ، وأنها لا عدة فيها ، ولا ميراث ، وقد نسخت هذه التشريعات – من الطلاق والعدة والميراث – نكاح المتعة .

والله أعلم .
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى